الأسابيع الماضية كانت زاخرة بقرارات كثيرة، بما في ذلك تأسيس بنك للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. ليس هناك أنسب من الوقت الحالي للحديث عن جزء من تاريخنا الاقتصادي في منهجية استخدام صناديق وبنوك التنمية التي دفعت البلاد إلى تحقيق مستويات استثنائية من النمو في مجال صناعات ضخمة كالبتروكيماويات والتنمية العقارية لمساكن المواطنين، وكذلك مصانع الأسمنت والمصارف وعدد كبير من شركات واستثمارات هيكلية، مثل الكهرباء والطاقة ومشاريع البنية التحتية ومشاريع الحرمين ومشاريع الفنادق والمستشفيات، التي كان يمول بعضها من وزارة المالية بشكل مباشر، إضافة إلى شركات التوازن الاقتصادي في ذلك الحين.
من حسن حظنا، لم يحصل في تاريخنا الاقتصادي وخلال العقود الخمسة الماضية أي توقف في مجالي بناء الاقتصاد والإنسان وفق سياسات تنموية مختلفة، واشترك كل تلك المراحل في زخم الإنفاق المالي المرتفع، لذا فنحن اليوم نحصد ثمار تلك المشاريع بشكل مباشر وغير مباشر. فمن رحم العمل والتنمية تتولد عدد من التشوهات الاقتصادية التي نراها من الناحية الاقتصادية أمرا طبيعيا، ولكل بلد مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
فقد تولد لدينا في العقود الماضية مشكلات في تركيبة القوى البشرية، وحدث تهميش للأعمال الصغيرة والمتوسطة، وضعف في نمو المهنية مع هشاشة واضحة في تمويل تلك الأعمال، ويعزى ذلك إلى أن مشاريع الحكومة والاتجاهات الاستراتيجية كانت مشغولة بمشاريع الوطن الكبرى، ما جعل الأعمال الصغيرة والمتوسطة هامشية، وما تبعها من نمو غير متوازن بين وظائف الأجانب والمواطنين.
نحن على أعتاب مرحلة جديدة من إعادة هندسة تمويل الأعمال الصغيرة والمتوسطة على أساس تنموي وبطريقة مماثلة لصناديق التنمية في الماضي وبالأسلوب المستخدم نفسه مع المشاريع العملاقة التنموية، وهو أمر في غاية الأهمية، لذا من الناحية العملية سنشهد نموا للأعمال الصغيرة متبوعا بعدد أجانب أكثر، والحقيقة نحن بحاجة إلى وافدين جدد في مجالات استثمارية وصناعية يمتلكون المال ويدخلون إلى اقتصادنا على أساس استثماري، وفي الوقت نفسه نقلص من شكل وطبيعة الوافدين التقليديين من العمالة التي تدخل إلى اقتصادنا للعمل نيابة عن المواطن في الأعمال الصغيرة والمتوسطة.
يظل السؤال قائما، هل الوافدون الجدد وعلى مختلف المستويات، سيعملون على تخفيف فاتورة الواردات وتوليد النقد الأجنبي والوظائف للسعوديين، أم أنهم سيزيدون تسرب النقد إلى الخارج بسبب عملهم في مشاريع تعتمد على الشراء الاستهلاكي المستورد من الخارج، ولا سيما أن فاتورة الاستهلاك الوطنية تعتمد على رواتب الأسر السعودية العاملة لدى الحكومة؟
أخير: معايير نجاح الوافدين الجدد – بحسب تصوري – تكمن في مدى قدرتهم على تخفيف فاتورة الواردات، وتوليد وظائف للمواطنين، وتقليص الوظائف غير المستقرة، ورفع عدد المليونيرات السعوديين، وزيادة معدل تكوين عائلات تجارية وصناعية جديدة في السوق المحلية، ولن يتحقق ذلك ما لم نركز على تمويل ما يوظف السعوديين عبر بنوك تنموية وتجارية.
التعليقات