كنت قد آليت على نفسي أن لا اشارك في مواقع التواصل الاجتماعي إلا بما يفيد … وقبل أن أبدأ، أود أن استميحكم عذراً وبأثرٍ رجعي إن اخفقت في إيصال ما يجول في خاطري. أستطرد مستعيناً بالله فأقول: ذهبت يوم امس في رحلة رياضية في الارجاء القريبة جدا من داري وأثناء المشي الطويل قررت في منتصفه أن أخلع حذائي ( اكرمكم الله ) حيث وجدتها فرصة عظيمة لأنعم بالمشي على الارض حافياً، رغم وجود بعض الاحجار الشديده، وهو ما زاد من فرحي واستمتاعي ..
لكن لمع موقفاً مشابهاً في ذاكرتي الزمنيه البعيدة جداً … ذكريات الماضي الاليم والجميل في ذات الوقت ، فقبل 45 عاما كنت اقطن ديار بني عمر في قرية ال طارق وقد وجدت بين يدي (زنوبة) اجلكم الله لا أعرف كيف وصلت إلى يدي ولا اعرف من اشتراها ؟ ولماذا اشتراها اصلا ؟… فضلا عن كيفية استخدامها، فقد أحسنت وفادتها وحملتها بلطف شديد بين يدي خوفا عليها من أن تنتعلها قدماي فتبلى، وآثرت أن يرافقني مشهدا غليظا من الدم يقطر من بين اصابعي على أن أجود بهذه الزنوبة لإراحة قدماي..
وما يؤرقني في خضم هذا المشهد وقد سبب لي حزنا واقعيا في لحظتها… لماذا إدخرتها في يدي في حين كنا في مكان لايصلنا فيه أحد ولا نذهب منه بعيداً.. كان المسار عباره عن خط ساخن ما بين البيت والمرعى والمدرسة على بعد جبلين … لقد كنت كريما جداً مع زنوبتي، وأكاد اكون ممن لم يوق شح نفسه بخلاً وقساوةً على قدماي… عدت إلى واقعي سريعا ونظرت الى جزمتي الغالية جداً وهي بين يدي بعين الحزن والالم…
وعين اخرى تكاد تدمع فرحا، فلقد توارى البؤس والفقر والفاقة والحاجة تماما كما توارت زنوبتي القديمه دون أن اعرف كيف اختفت وإلى أين ذهبت… بين المشهدين اعواما من العطاء والبذل والعمل والفشل الذي قد لا استطيع أن أداريه حتى ولو حاولت، ولا اعلم والله ما إذا كنا احسنا في هذه الاعوام… لكن جل ما أعرفه يقيناً أننا اصبحنا نتقلب في نعم الله حتى لم نعد نعرف نفرق بينها، واصبح لدينا في ذات الوقت رغبة جامحة إلى محاولة الرجوع إلى المشقة بدواعي الاستمتاع والمرح …
فها أنا ذا اخلع حذائي وأجور جوراً على قدماي من أجل المتعة فقط… ما أود قوله بعد كل هذا أن نذكر أبنائنا من حين إلى اخر بهذه النعم … فلم أرى ولدي يسير حافيًا خارج فناء المنزل فضلا عن أن يسير حافياً قاطعاً مسافةً مقدارها ما نراه من البعد بين جبلين حتى يصل مدرسته، وأنا لست هنا استثناءً فكلكم ذلك الرجل… ذكروا أنفسكم وأبنائكم بمثل هذه المشاهد واكثروا من حمد الله وشكره على نعمه التي لا تعد ولاتحصى …
وختاماً …. هل لي أن استأذنكم وأخص والدي رحمه الله بين أيديكم وتحت انظاركم بدعوةٍ صادقةٍ من القلب أن يغفر ذنبه وأن يوسع مدخله، فلعله هو من تعنى لشراء (الزنوبة) لولده رغم فقره وحاجته وقد غلب ظنه أنني احسن استخدامها.. فجزاه الله عني خير ما جوزي به والد عن ولده وجمعنا به وبكم في مستقر رحمته ….. والسلام عليكم.
التعليقات