فاتورة الإنفاق العسكري تتصدر قائمة موازنة الدولة من حيث القيمة المالية السنوية والتراكمية، لذا أدرك المخطط الاقتصادي أهمية وجود استراتيجية خاصة ضمن برامج “رؤية 2030” للاستفادة من فاتورة الواردات العسكرية وتحويلها إلى برامج تصنيع بالشراكة مع العالم الخارجي. وقد انطلقت خطط الاستثمار في الصناعات العسكرية بتوقيع عدد من الاتفاقيات الدولية المشتركة تستهدف توطين 55 في المائة من الإنفاق العسكري، إضافة إلى نقل التقنية والمعرفة الفنية كجزء أساسي لنتائج الرؤية الاقتصادية على مستوى تطوير خبرات شركاتنا الوطنية.
في عام 2017، تم تأسيس هيئة مختصة بالصناعات العسكرية، لغايات تنظيمية وتشريعية وتنمية نسبة الاستثمار العسكري، وفي الوقت نفسه تم تأسيس أيضا الشركة السعودية للصناعات العسكرية، لغايات استثمارية وزيادة المحتوى المحلي العسكري وتنميته ورفع نسبة المشاركة الاقتصادية وفق أسس تجارية واستثمارية وبدعم من صندوق الاستثمارات العامة، لتكوين منظومة تصنيع تكنوقراطية محلية، إن صح التعبير.
إن رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – تؤتي ثمارها عبر تدشين وتوطين أول زورق اعتراضي سريع من نوع HSI32، المصنع محليا وفق مواصفات ومعايير دولية، وبشراكة مع مستثمرين، محلي وأجنبي، لزيادة تنامي شركات القطاع الخاص في البنيان الاقتصادي المستهدف بنهاية 2030.
إن إحدى النتائج الأكثر أهمية وراء ظهور منتج عسكري وطني، التخفيف من فاتورة الواردات العسكرية الضخمة، وما سيتبعه من طلب على المحتوى المحلي من مواد خادم وتوظيف المواطنين ومدخلات صناعية أخرى ستشارك في تكوين المنتج النهائي، كما أن الشركة الفرنسية المشاركة في مشروع الزوارق، ستولد نوعا من التشابك الاقتصادي مع شركاتنا الوطنية، إلا أن نواة ذلك التشابك الاستثماري والصناعي مهمة اقتصاديا على المدى الاستراتيجي، ولا سيما مع دول ذات قدرات صناعية متطورة، ما سيعزز ميزان المدفوعات والتجارة ويحقق مزيدا من الاستثمارات المشتركة.
إن انطلاق تصنيع الزوارق الاعتراضية كمنتج سعودي، سيؤدي إلى نشوء شركات صغيرة ومتوسطة تقدم خدمات أو مواد لهذه الصناعة الوليدة، كما أن النتيجة الاستراتيجية ستسهم في تشكل عناقيد صناعية، أو عناقيد أعمال، أو ما يعرف بـBusiness Cluster، ويمثل تركز عدد من الصناعات والشركات حول هذه الصناعة الجديدة، كموردين ومؤسسات ذات صلة بهذه الصناعة العسكرية.
إن نجاحنا في إطلاق منتج عسكري في الظروف الاقتصادية الحالية، يكشف لنا مدى جدية البرامج التنفيذية لـ”رؤية 2030″، ولا سيما فيما يخص القضايا الاستراتيجية الهيكلية، كتعديل ميزان التجارة والمدفوعات وجودة الحياة والاستثمار الوطني. كما أود أن أشير إلى أن مواصلة الإنفاق الاستثماري وتحقيق نتائج في ظل الظروف الحالية، سيؤدى إلى عودة النمو الاقتصادي بوتيرة أسرع من أي دولة أخرى، لأن ذلك عمليا يعد سياسة مضادة للدورة الاقتصادية، وستزيد من النجاحات الاقتصادية وذات الأهمية العالية على مستوى شركات القطاع الخاص السعودي.
التعليقات