الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

المجتمع وصدمة الانفتاح – بقلم الكاتب أ. خالد عوض العمري

المجتمع وصدمة الانفتاح – بقلم الكاتب أ. خالد عوض العمري

 

قال تعالى «إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» .. تمر المجتمعات التي تنتقل من حالة معينة، إلى حالة مختلفة، بمرحلة انتقالية قد تطول أو تقصر، ومن أبرز ملامح المرحلة الانتقالية عادة الاندفاع غير المنضبط هربا من الذي كان، وسعيا في اتجاه ما سيكون، تصاحب ذلك الاندفاع حالة من التيه وفقدان البوصلة، كما يصاحب تلك المرحلة، تسخيفٌ للقيم المرتبطة بما كان، بغض النظر عن قيمتها ووجاهتها وضرورتها، هذه الملامح التي تصاحب كل مرحلة انتقالية بين ضفتين، سواء كان هذا الارتحال من الأفضل إلى الأسوأ أو العكس.

لا شك أنّنا في السعودية نعيش في هذه السنوات مرحلة انتقالية عظيمة، لم يسبق لهذا المجتمع أن مر بما يشبهها، من حيث السرعة والإرادة الجادة في التغيير والتقدم، وهذه الرحلة العظيمة جاءت بفضل الله ثم بفضل «رؤية 2030» التي تبنتها قيادة هذا الوطن، وآمن بها غالبية الشعب، ولكي يصل المجتمع إلى وجهته المستقبلية سالما، يجب على صانع القرار ونخب الفكر والعلم، أن يحافظوا على المجتمع وقيمه العظيمة من الصدمات التي ستعترضه في هذه الرحلة لا محالة.

كانت السرعة الإيجابية من أهم عناصر الرؤية، كما كانت المفاصلة مع إرث سنين الإغلاق السيئة، من المرتكزات التي انطلقت منها الرؤية، هذه السرعة والمفاصلة أحدثت آثارا متباينة لدى الناس، كل بحسب فهمه ووعيه، شريحةٌ لا بأس بها من المجتمع فهمت أنّ السرعة لا تعني التسرع، وأنَ الحركة المنضبطة الآمنة أرجى للوصول والبلوغ، كما فهمت تلك الشريحة أنَ المفاصلة مع قيود الماضي لا تشمل الانسلاخ من القيم الحقيقية والمبادئ الجامعة لإنسان هذا الوطن، وهذه الشريحة قامت بدورها في تطبيق هذه الرؤية والعمل على الوصول بها إلى هدفها المنشود.

أمَا الشريحة الكبرى – للأسف – فلم تستطع التفريق بين السرعة والتسرع، ولا بين التخلص من سلبيات الماضي والانسلاخ منه، وهذه الشريحة الكبرى تشمل مجموعة من المسؤولين والمواطنين، وهذه الفئة التي تحتاج إلى مزيد من التوجيه والتوعية وكبح الجماح وترشيد التحركات الارتجالية.

غالبية مواطني هذا البلد، من الشباب والأطفال، وما زالوا في طور التكوين وتخلق الهوية، وبناء الذات، ومن يشاهد كيف تتفاعل شريحةٌ كبيرة منهم مع التغيير سيصاب بالأسى والحسرة، حيث كفر كثيرٌ من هؤلاء بروابط الأسرة المقدسة، وبقيم الشرف والكرامة والمروءة، وتبعات المسؤولية ومقتضياتها، وأصبحوا أقرب إلى البوهيمية والفوضى المطلقة المسعورة في السلوك والأفكار والمعتقدات، كما أصبح كثير منهم صيدا سهلا لكل عدو لهذا البلد، ولكل تيار يرغب في التغلغل في المجتمع وتفكيكه من الداخل.

يجب أن تضطلع الدولة بمسؤولياتها لحماية هذه الشريحة، عن طريق فرض القوانين التي تمنع من الاندفاع الجاهل، كما شرعنت القوانين التي تمنع من الردة الخاسرة، كما يجب على النخب من أرباب الفكر والرأي أن يساهموا في صناعة الوعي وبيان مخاطر هذه المرحلة وتحدياتها، كل بحسب موقعه وقدرته.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *