الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

خفتت الأضواء – بقلم الكاتب أ. عمر عقيل المصلحي

خفتت الأضواء – بقلم الكاتب أ. عمر عقيل المصلحي

 

يمر الإنسان بمراحل عمرية مختلفة، لكل منها رائحته وعبقه الخاص، زهور عطرية جُمَعَتْ بمزاجية محب للحياة، متفائل بكل جديد وقادم، محتفظ بكل قديم، يمثل مذكراته، جميلها، قبيحها، مُزِج فيها، مرح بترح، فرح بحزن، سعادة بشقاء، صحة بسقم، غنى بفقر. ” وتلك الأيام نداولها بين الناس “.

 المتأمل في مجتمعاتنا يلحظ ويلاحظ كثيراً من المتناقضات تجعلنا نعيش في حيرة من أمرنا، لا يُعْرَفُ الصادق من الكاذب، الأمين من الخائن، الصريح من المنافق، مظاهر برّاقة، تخفي وراءها ما لا يعلمه إلا الله، فنحن البشر نحكم بالظواهر، فمن لَمَّعَ نفسَه من كل النواحي بعناية؛ حصل على ما يريد، ومن رفض وقاوم؛ قُذِف في أوحال اللوم، والسخرية، والاستهزاء عِنْوة، من أسرى المظاهر، سجناء الأهواء، إنهم شياطين في صورة بشر، يمجدون أصحاب المناصب، والوجهاء، وذوي التجارة والأغنياء، ورؤساء العمل، ورفاق السفر الكرماء. لايعترفون بصديق حميم، ولا برجل صادق حليم، همهم مصلحتهم والباقي في صقر، لا يحترمون الزمان، ولايقدرون المكان، يحسبون كل صيحة عليهم، بيوتهم من زجاج، يرمون بكرات فلين، ويكرهون الحجارة.

 عندما يتقاعد ذلك المسؤول، أو يفتقر صاحبهم الغني، أو ينتقل رئيسهم الممجد؛ ينقلبون على أعقابهم خاسرين، ويرُى الوجه الحقيقي لهم، تغرب شمسهم، ويخسف قمرهم؛ فيعيشون في ظلمات في ليل ونهار بعضها فوق بعض؛ ذلك جزاؤهم في الدنيا، و في الآخرة أدهى وأمر… يقول أحد المشهورين من أصحاب الأضواء، دُعِيَ للحضور لأحد البرامج المهتمة بمقابلة المشهورين  من ممثلين، مطربين، شعراء، أدباء … وغيرهم،  بعد مرور خمسٍ وعشرين من آخر يوم ودع فيه أبواب الشهرة، وسيل المتابعين المطبلين المادحين له الليل، وأطراف النهار، حيث ولوا من غير رجعه.

يقول: أخذت حقيبتي، وذهبت إلى محطة القطار، ومكثت انتظره حاملاً حقيبتي بيمناي وتارة باليسرى، وثالثة أتوكأ عليها، فطال الأنتظار ومللته. بعد كل هذه المعاناة، وصل القطار، ولكن لم أجد لي مكاناً، فغادر، وبقيت. انتظرت قطاراً آخر لعلي أجد مكاناً، بالفعل وصل بعد مدة طويلة من الانتظار فاقت الأولى بمراحل، فتحت الأبواب، ودخلت كالغريب، أحدق بعينيّ في كل زاوية من القطار، إلى الأعلى، إلى الأسفل، يميناً، يساراً، فلم أعرف أحداً، تغيرت عليّ الوجوه، ولم ألف الركاب ولا السائق، حتى أماكن الجلوس أختلفت.

كل شيء تغير؟! أم أنني بقيت في نقطة البداية بعد النهاية ولم أتحرك ؟!! هذه رحلة الخمس والعشرين سنة ولت. يا ترى الرحلة القادمة، بعد كم سنة سيمرني القطار. ؟؟!! أم خَفَتَتِ الأضواء ؟!!

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *