الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

السعوديون .. الإياب من «وهم الأمة» – بقلم الكاتب أ. خالد عوض العمري

السعوديون .. الإياب من «وهم الأمة» – بقلم الكاتب أ. خالد عوض العمري

 

كان المواطن السعودي إلى بضع سنواتٍ خلت، مرتحلا في هموم الأمة، مشغولا بخيبات أبنائها، ومتألما من جراح شعوبها، كل ذلك على حساب واجبه في الانشغال بهمه الوطني، وتحسين جودة حياته، بل تجاوز ذلك إلى الاحتفاء بكل توجهٍ سياسي يدعم موقف أي فئةٍ من أمته ولو كان الثمن مصلحته.

كان ذلك واقعا لا يمكن فهم منطقه، وإن كنّا نستطيع تخمين أسبابه، حيث كان من الطبيعي أن تجد مواطنا سعوديا بلا مصدر دخلٍ، وفي حياةٍ لا تخرج من دائرة الضنك، ثم تراه -عوضا عن الاشتغال بتحسين حياته وإيجاد الحلول لمشاكله- منشغلا بهمّ أمته، مفنيا ساعاته في التألم لهم، والتحسر على مصيرهم، والأدهى من ذلك أنّ الثقافة الجمعية تقبل سلوك هذا الفرد، وتتفهمه، بل ربما ذهبت إلى تزكية فعله، والإشادة بصنيعه.

ربما كان السبب في هذا الانتماء الساذج، راجعا إلى سببين، أولهما، الخطاب السائد في العقود الماضية، الذي عمل على تمييع مفهوم الوطن، وشيطنته، مقابل تقديس مفهوم الأمة في شكلها الطوباوي الساذج، أمّا السبب الثاني فيتعلق بتوهم ضيق المساحة المسموحة للمواطن في تناول الشأن العام الوطني، والخوف المتضخم من مسؤولية ذلك وتبعاته، فكان الهروب للشأن الخارجي ليمارس الإنسان ضرورته الغريزية في التعبير والمشاركة بالرأي، ولكن ما نشاهده الآن من تعامل السعودي مع شأن الأمة -الأجيال الشابة بشكلٍ أوضح- يبدو أمرا مختلفا بل مناقضا لما كان عليه.

السبب الرئيسي لهذا التغيير الإيجابي، هو الأثر الكبير الذي أحدثته «رؤية 2030» في الوعي الجمعي وترتيب الأولويات، فالشأن العام الوطني، الذي كان عائما، والحديث عنه كالنداء في مفازةٍ خالية، تم تنظيمه وتحديد منطلقاته وأهدافه، وإعلان خطط تقييمه وتجويده بشكلٍ مستمر، حيث آمن المواطن أنّ صوته أصبح يشكل تغذيةً عكسيةً راجعة لصاحب القرار وراسمي السياسات والتوجهات العامة للدولة، فكانت نتيجة إيمان المواطن بقيمة صوته،

أنّه أعاد تثقيف نفسه بكل ما يمس شأنه الوطني، ثم تحول ذلك إلى المشاركة الفعلية والانغماس الإيجابي في الشأن الداخلي، ثم في حركة البناء والتنمية العظيمة التي يشهدها الوطن، كلٌ على قدر استطاعته وبحسب موقعه، وهذا ما حول بوصلة الاهتمام من الأمة إلى الوطن في المقام الأول، إلا أنّ الجحود الذي قابل به غالب أبناء الأمة تضحيات السعودية والسعوديين كان مؤثرا كذلك في هذا التحول.

لا يزال الحلم بمشاركةٍ أوسع في الشأن العام قائما، ولا يزال الطموح بمساحةٍ أكبر للتعبير فيما يخص الشأن العام متوثبا، إلاّ أنّ أبناء الوطن المخلصين يشعرون بالأمان على وطنهم ومستقبلهم في هذا العهد، أكثر من أي وقتٍ مضى. نبني الوطن بأرواحنا، ونحمل أحلامنا الوطنية فتيّةً خضراء، خلف قيادةٍ عظيمةٍ صادقة، ونتمنى الخير للأمة وللبشرية، هذه فلسفة السعودي الجديد.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *