الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

” قهوة الملك سعود ” – بقلم الكاتب أ. محمد غرمان العمري

” قهوة الملك سعود ” – بقلم الكاتب أ. محمد غرمان العمري
 

تطوف الأيام والسنين وما كان عَرَضاً يصبح تاريخاً .. عندما أجلس مع من يكبرني سناً أكون مستمعاً له أكثر من متحدثاً – فهو من يملك التجربة – ؛ فأستغل تلك الدقائق أو السويعات لأجلب لذاكرتي ما أحب أن أحتفظ به ، و أرويه للآخرين – وخاصة من الأجيال المترفة التي ابتعدت عن موروث الأجداد واكتفت بالحداثة التي تشبه البالون يعجبك حجمه و لونه –

هنا معكم يحلو لذاكرتي في هذه اللحظة أن أذكر قصة حصلت مع الأخ الاصغر لوالدي واسمه”عبدالله” رحمهم الله جميعاً  والراوي والدي.. يقول كنا عسكر في مدينة الرياض في عهد الملك عبدالعزيز – رحمه الله – وكان الملك سعود – ولياً للعهد في ذلك الوقت”أميراً” وكنا فرقة في المطار العسكري بموقعه الحالي الان والذي تغير اسمه الى – قاعدة الملك سلمان الجوية –

وكنا نسكن في بيت طين في جهة المطار الجنوبية – لازال إلى الأن ومحاط بسياج كـ – تاريخ – وقال كان عملنا دفاع جوي للمطار ولدينا رشاش مضاد للطائرات واحد – فقط – ويقارب عددنا السبعة عشر فرد أو يزيد .. وكان الأمير سعود – رحمه الله – يمر من أمام مركزنا كل يوم ثلاثاء بعد الظهر بموكبه متجها إلى قصر والده الملك عبدالعزيز – رحمه الله – للسلام عليه .. قال “والدي رحمه الله” كنا نتكلم فيما بيننا من فينا يستطيع أن يقهوي الامير سعود -، كيف يمر من جوار مركزنا كل أسبوع ولا يوجد رجال يمد له فنجان قهوة – فدار الحديث وتعالت الأصوات وكل أدلى بدلوه وكان فيهم من تخوف وفيهم من صمت ومنهم من أيد ومنهم من عارض إيقاف الموكب من أجل فنجان قهوة – وتعطيل الأمير وقد يسبب ذلك مسألة لنا لعدم أخذ الإذن – الشاهد في الموضوع ان الاخ الأصغر للوالد “عبدالله” قال أنا أقهوي الأمير “سعود” وانا صبي بني عمرو

فضحك الجميع منه وقللوا من كلامه وقدرته ولم يأخذوا كلامه بعين الاعتبار وقالو ماتقدر يـ “الحجازي” تسويها.. ولكن “عمي” أصر على مافي قلبه ونيته وتحداهم تحدي لم يبديه لهم بلسانه – وفي يوم الثلاثاء الموعود ومع إشراقة الصباح استعد الأسد بمقابلة الأمير سعود وفي قلبه يقول ما لها إلا رجالها وأنا أبو غرمان.. وأقسم في نفسه بأن يقهوي الأمير سعود تكريما للأمير ورد اعتبار أمام زملائه .. وقبيل الظهر جهز الفناجيل والدلة والبن والهيل وكانت حركته ذلك اليوم غريبة بين زملاءه ولكنهم لم يعلموا بسر تحركه البطولي..

وقد نسي الجميع الموضوع الذي تحدثو فيه بداية الأسبوع .. وحان وقت الظهيرة وتناول الأفراد غداهم وذهب كل منهم للنوم – وقت القيلولة – ولكنّ ” الذيب ” لم تنم عينه ينتظر ( ولي العهد ) والكل نائم.. وموكب الأمير سعود تبدي طلايعه ويخرج صقر بني عمرو بالدلة والفناجيل الى خارج مقر سكن الافراد دون علمهم وكلهم في سبات عميق.. ويمر الموكب بسرعة الا أن أن الامير سعود شاهد الشاب الواقف بالدلة والفنجان فأمر الموكب بالوقوف و انطلق العم “عبدالله -رحمه الله – وصب القهوة لولي للعهد وشرب الأمير سعود الفنجان وقال – كثر الله خيرك –

وفي هذه اللحظة وعندما سماع الأفراد صوت الموكب وحركة السيارات ووقوف ” الأمير ” ، قاموا من كراسيهم وتوجهوا إلى خارج السكن وإذا بهم يشاهدون الشاب “عبدالله العمري” يقف الى جوار موكب الأمير سعود ومناوله الفنجان – فصعقوا من هذا الحدث الذي تمنوا كلهم بأنّهم كانوا مكانه – وأشار الأمير سعود للسيارة التي خلفة باعطائه الأكرامية على هذا الموقف الكريم والشجاع.

وقام والدي و عمي عبدالله – رحمهم الله – بعمل عشاء للجميع بهذه المناسبة، قال والدي :
” وتوجّهنا في اليوم التالي من المطار العسكري مقر إقامتنا وعملنا الى البطحاء سيراً على الاقدام وشرينا ما يلزم لإكرام زملائنا من هذا الخير الذي حل علينا ” .

في الختام .. هكذا هي الحياة عبارة عن إصرار وعزيمة تدفع الشخص إلى تحقيق أمنيته وطموحه ، وألّا يستكين أو يتراجع حتى وإن أوحى لك الآخرون باستحالتها و بُعد مرادها .

 

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *