الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

«الدفاع عن الوطن» بين معسكرين – بقلم الكاتب أ. خالد عوض العمري

«الدفاع عن الوطن» بين معسكرين – بقلم الكاتب أ. خالد عوض العمري

 

إذا مَحاسِنِيَ الَّلاتي أُدِلُّ بها .. كانتْ ذنوبيْ فقلْ لي كيفَ أعتذرُ «البحتري»

علينا في البدء أن نقرر حقيقتين مهمتين، أولاهما: أنّ الدفاع عن قضيةٍ نبيلةٍ، يقتضي وسائل لا تقل في نبلها عن القضية محل الدفاع، أما الحقيقة الثانية: فهي أنّ الالتزام بهذه الوسائل النبيلة قد يبدو أمرا مستحيلا، مهما حاولت دعاوى المثالية أن تجعله هينا متاحا.

ولذلك كان من الضروري أن يؤخذ ذلك في الحسبان، حين تقييم العمل الذي يرتبط بشكلٍ من أشكال الوطنية، وذلك لتفويت الفرصة على الأعداء، الذين سيحاولون التغلغل إلى النسيج الداخلي للمجتمع، من ثغرة الخلاف بين المطالبين بالمثالية، والممارسين للدفاع بشكل قد لا يحقق الاشتراطات المثالية كما ينبغي.

بثت قناة الإخبارية السعودية قبل أيام، تقريرا تحدث عن بعض الحسابات التي تصف نفسها بالوطنية، وكانت خلاصة هذا التقرير، أنّ معظم هذه الحسابات تمارس البحث في أرشيف المغردين، وتتصيد عثراتهم، وتحاول نصب محاكم تفتيش وطنية لهم، وذلك عن طريق استعداء الجهات الرسمية عليهم، ومحاولة تأويل تغريداتهم بشكل جائر، بل ذهب التقرير إلى أبعد من ذلك، حين ألمح إلى أنّ بعض هذه الحسابات قد يهدف إلى إثارة الفتنة، وشق صف المجتمع السعودي، والتقرير متاحٌ في صفحة القناة لمن أراد الاطلاع عليه كاملا.

الحقيقة أنّ هذا التقرير عمل صحفي جيد، وإن كان لم يخلُ من المثالية، التي تريد حربا بلا دماء، إلا أنّ أكبر حسنات هذا التقرير من وجهة نظري، أنّه كشف بجلاءٍ لا لبس فيه، حقيقة كثيرٍ من الحسابات التي كانت تدعو للمثالية، وتهاجم الحسابات التي تصف نفسها بالوطنية، حيث طارت حسابات المثاليين بهذا التقرير، وهاجمت به الجميع، وعمل المثاليون على تنبيش حسابات خصومهم، والتنقيب في أرشيفات تغريداتهم وكتاباتهم.

بل تجاوز المثاليون ذلك إلى إحياء حفلات الشماتة والشتائم الإلكترونية بحق خصومهم، مغلفين ذلك بغلاف الانتصار للحق وقاعدة الجزاء من جنس العمل، وهذا التصرف هو ما تحاول هذه المقالة شرحه وتوضيحه، حيث إن غالبية من يلجأ لدعاوى التعقل والمثالية هو في الغالب من يكون في موضع الدفاع، وليس من يملك سندا أخلاقيا أكثر متانة ورفعة، إذ تكشف الأيام دائما حقيقة أصحاب الدعاوى الفارغة، أينما كانوا، وبغض النظر عن أي جهة ينتمون إليها.

وخلاصة ما أراه في هذا الموضوع، أنّ القبيح بذاته سيبقى قبيحا، بغض النظر عن موقعه وانتمائه، وأنّ كل قضيةٍ نبيلةٍ سيكون ضمن المدافعين عنها: الصادق، والكاذب، والنبيل، والحقير، وأن هذه الحقيقة هي طبيعة الأشياء بعيدا عن الزيف والمثالية المزعومة، كما أنّ الدفاع عن أي قضيةٍ سيمس أشخاصا بغير ما اكتسبوا، إن عمداً وإن خطأً، ولذلك وجدت جهات التقاضي للفصل في هذه الأمور وإعادة الحقوق لأصحابها، وعلينا أن لا ننسى في غمرة الانشغال بتفاصيل الأساليب والوسائل، أن ننتبه إلى موقعنا جيدا، حيث يجب أن نتأكد من وقوفنا في معسكر الوطن، وألا تنزلق أقدامنا إلى المنطقة الرمادية بين المعسكرين، أو إلى ما وراء ذلك.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *