لا يخفى على الجميع إختلاف المعادن.. وضربتُ بالذهب مثلاً لشهرته رغم وجود معادن أخرى تتجاوزه بكثير من حيث الجودة والسعر، والأغلبية يعلمون بأن النحاس من أقل المعادن من حيث السعر والجودة، إلا أنه رغم رخصه ورداءة جودته يعتبر أفضل بكثير من بضاعة أبو ريالين الدارجة في الأسواق مؤخرا مع كثرة مرتادي تلك المحلات، والمتبضعين منها لرخصها ولكونها في متناول الجميع وخاصة الطبقات الكادحة التي لا يهمها الجودة مقابل الرخص في الثمن.. إضافة إلى أن الذهب لا يوجد بكميات كبيرة في أي مكان لجودة معدنه وغلاء سعره..
من هنا فإن الساحة الشعرية في الآونة الآخيرة لا تبعد كثيرًا عن مقدمة مقالي هذا لندرة الذهب وقلة تداوله مقارنة بالمعادن الأخرى الأقل منه جودة وسعراً، فحينما تكون الساحة يعم جُلها ببضاعة أبو ريالين الدارجة في كل شارع وكل زاوية، وينعدم وجود الذهب فهناك خلل في التركيبة.. ورد في الأثر ( خير الكلام ما قل ودل، ولم يطل فيملّ) ونحن في هذه الأيام نمر بكثرة الحديث مع أن المحتوى خال الوفاض من المعنى، وأصبحت القصايد توزن بالطن وترد إلينا بالجملة وأغلبها من أسواق أبو ريالين، بينما الشعر الجزل الحصيف المقنن والذي يتكلم عن موضوع له فائده أو صلح بين قبيلتين أو سعي في تقريب وجهات النظر بين الناس أو ما ينفع الجميع او البعض، قل أن تجده! بل أصبح نادر؟
والذي جعلني أكتب ما ترون كثرة الغث الهابط الذي أخفى وجود وجودة السمين، وقد يراه البعض مكاسب شعرية لكسب جمهور أوسع وأكبر، وحينما ترى كثرة وصياح الجمهور فإعلم أنك في سوق أبو ريالين… لذلك سوف اضرب مثالاً لمن أراد التطوير والخروج من دائرة الكسب اللحظي الزائف الذي أصبح أغلب الشعراء يسعى إليه بكل ما أُوتي من قوة، فأقول لكل شاعر ذي لُب: اذهب الى محلات الذهب أو المعادن النفيسه وأنظر إلى قلة زبائنها وندرة المحتويات المباعة مع غلاء ثمنها…
ثم اذهب إلى محلات أبو ريالين وسوف تجد كثرة الزبائن وارتفاع نسبة المشتريات، والتي لو جمعتها كلها وقارنت أسعارها بسعر معدن نفيس أخر لوجدت الفرق مع احترامنا للمعادن النفيسة ان تقارن بأبو ريالين، وقد قال الشاعر:
ألَمْ تَرَ أنَّ السَّيْفَ يَنقصُ قـــــــــــدْرُهُ .. إذا قيل إنَّ السيفَ أمضى من العصا
قبل الختام : رغم بعض الممتعضين من مقالاتي وأطروحاتي هنا وهناك أقول لن يصح الا الصحيح وسوف تبقى القصائد الخالدة مثل المعادن النفيسة كلما تقادم بها الزمن زاد بريقها وغلا ثمنها، بينما القصائد (المهبولة) سوف يكون مصيرها مصير بضاعة أبو ريالين، وعمرها من يوم الى يومين ومصيرها إلى أقرب زبالة أجلكم الله وقد قيل:
يا شاري الداني بالدون أحسبك الغابن وأنت المغبون…
اخر السطر :
اللهم لا تجمع علينا مصيبتين !
رداءة الشعر ومحلات أبو ريالين …
التعليقات