اليوم ودع أهالي قريتي العزيزة ( لشعب ) أم خُلقت لتكون أماً صالحة يحتم عليها القدر أن تتزوج وتخلف ثلاثة أبناء وبنت ثم يتوفى زوجها وترتكي للمسؤلية المزدوجة كأم ومسؤلية الأب في التربية وتوفير سُبل العيش في زمن كان الرجل يقف عاجزاً أمام ايجاد لقمة العيش له ولافراد الأسرة الا أن هذه الأم حملة الأمانة واستعانت بالله وتوكلت عليه ونذرت نفسها ووقتها لتربية أبناءها والانفاق عليهم ..
وتمكنت من توفير الحياة الكريمة لهولاء الأبناء وركزت في المقام الأول على تربيتهم التربية الصالحة فلا فرضاً من الصلوات يفوتهم في المسجد الذي كان قريباً من منزلهم وبلغوا سن الالتحاق بالمدرسة الإبتدائية بقريتهم واهتمت بتعليمهم ليكونوا أعضاء صالحين في المجتمع ونشأتهم على حب الناس واحترام كبار السن من أهل قريتهم وحفظت وصلهم باقاربهم وحرصت على اختيار صحبتهم ومعاملتهم كأبناءها..
وكانت تحرص على اجتماعهم بأصحابهم تحت اشرافها بمنزلهم كنت أحد الأصحاب وكان لنا موعد مع لعب كرة القدم من بعد صلاة العصر حتى أذان المغرب في ميدان المدرسة أو الساحة التى أمام منزلهم وفي نهاية وقت اللعب نجدها تقف بالماء لنشرب ونتوضا وتحثنا جميعا للحاق بالصلاة في المسجد كنا نجتمع لنتسامر معاً أمام ناظرها كانت تجود علينا بالتمر وخبز البُر والرز والشاهي وكانت تعاملنا كما تعامل أبناءها فرسخت في مفاهيمنا أننا أخوة وأن علينا التأخي بالدين وبالأدب وبالاحترام ..
حتى حان موعد الافتراق بانهاءنا للصف السادس بمدرسة قريتنا فاتجه أكبر أبناءها (محمد) لمواصلة دراسته في مدينة الرياض ثم الالتحاق ببعثة إلى دولة باكستان وتخرج من أحد الأكاديميات وعاد الى المملكة بعد خمس سنوات ليلتحق بسلاح البحرية ويتدرج في رتبها حتى تقاعد برتبة رائد وبخدمة (35) عام كلها اخلاص وتفاني وولاء..
وأنهى الابن الثاني (ضيف الله) دراسته المتوسطة والثانوية بالنماص ثم التحق بالجامعة وأكمل دراسته وعين بالجامعة الاسلامية معيداً واستمر بها حتى حصل على درجة الدكتوراة أستاذاً مشاركاً وتقاعدمنها بعد خدمة (35)عام قضاها بين أروقة العلم والبحث والتدريس ولازال .. كذلك الابن الثالث (عبدالله) أنهى دراسة الثانوية والتحق بكلية الملك فيصل الجوية وتخرج برتبة ملازم وتدرج في الرتب العسكرية حتى رتبة عميد وتقاعد بعد خدمة (35)عام قضاها في خدمة الدين والمليك والوطن..
هؤلاء الأبناء لم يغيبوا لحظة عن ناظر والدتهم وهم كذلك يبادلونها الحب بالحب مقدرين تضحياتها فكانوا الأوفياء فاختاروا لها طيب الاقامة في جوار رسولنا الكريم بالمدينة المنورة ووفروا لها كل سبل الحياة الكريمة ولشقيقتهم وحرصوا على تعويضها عن بعض ماقدمته لهم طيلة حياتها وقد كانوا الأوفياء والبارين والراحمين والخادمين لها وقد كانوا يتنافسون من يكون هو الأبر والأوفى بالمعروف وقد كانت تبادلهم ذلك بالاعتراف لكل منهم وتناجي ربها ليلا ونهاراً دعاءً لهم ولابناءهم أبناء لم ينكروا معروفاً وأماً لم تجحد وفاء أبناءً ..
ويشاء الله أن تعود الى قريتها وتنتقل الى جوار ربها وتدفن هذا اليوم الاربعاء 1441/10/18 إلى جوار قبر والدها وشقيقها – رحمهم الله – جميعاً انها والدة الجميع ( جرادة محمد ال صامت )( ام محمد ) من بنات قرية الاشعب ببلاد بني عمرو ومن النساء العظيمات اللاتي خلدن ذكراهن في قلوب الجميع .. رحم الله ام محمد، وغفر الله لها وجمعنا بها ووالدينا في الفردوس الأعلى من الجنة ومن تحب ومن نحب.. وجبر الله المصاب .. والحمد لله من قبل ومن بعد.
التعليقات
تعليق واحد على "الأم الصالحة – بقلم اللواء م. محمد حسن شفلوت العمري"
سعادة اللواء / م.
جميل منك يا أبا حسن أن تتابع عددا من الأحداث- لا سيما في قريتك، ومنطقتك- فتثيرها بمكتوبك، وتثريها بقلمك،
وتضفي عليها بيانا ممزوجا بصدق العواطف، ومزيد الوصف؛ الذي يعطي صورة عن فترة من الزمن كنت أنت – بعقلك، وعاطفتك- من شهودها تحمّلا، ثم أتحفتنا بها أداء.
وما أوردته عن (أم محمد) ظاهر لمن عرف حال تلك الأسرة، وأمثالها..
ولعل فيه تذكيرا بما أشار إليه القرآن الكريم من تأثير صلاح الآباء في توفيق الأبناء-غالبا؛
حيث جاء (أمر الله) تعالى بقوله: (وَلۡیَخۡشَ ٱلَّذِینَ لَوۡ تَرَكُوا۟ مِنۡ خَلۡفِهِمۡ ذُرِّیَّةࣰ ضِعَـٰفًا خَافُوا۟ عَلَیۡهِمۡ فَلۡیَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلۡیَقُولُوا۟ قَوۡلࣰا سَدِیدًا)[سورة النساء 9]،
وأكّد هذا المعنى ما (أخبر الله تعالى ) به من قوله: (اوَأَمَّا ٱلۡجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَـٰمَیۡنِ یَتِیمَیۡنِ فِی ٱلۡمَدِینَةِ وَكَانَ تَحۡتَهُۥ كَنزࣱ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَـٰلِحࣰا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن یَبۡلُغَاۤ أَشُدَّهُمَا وَیَسۡتَخۡرِجَا كَنزَهُمَا رَحۡمَةࣰ مِّن رَّبِّكَۚ.. ) [سورة الكهف 82].
فمن عرف أولادها، وأسرتهم الطيبة التي تفرّعوا منها، واطلع على أخلاقهم عرف شيئا من هذا، وأدرك كذلك أن الأمر مما يزيد في إيمان المؤمنين، ويرفع في حسن ظنهم برب العالمين.
ثم إن عرض هذه السّير يعطي دروسا أخرى نافعة في:
أهمية التقوى،
والاهتمام بحسن تربية الأولاد،
وربط الأبناء بالصلوات في المساجد،
مع بذل المعروف..
والإحسان للأطفال، وإكرامهم !
وتتبين كذلك منزلة الصبر، والتحمل في محطات الحياة- حتى يصل الإنسان بإذن الله تعالى إلى أحسن العواقب.. وما التوفيق إلا من عند الله رب العالمين.
رحمها الله، ورحم أمواتنا، وأموات المسلمين أجمعين.