الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

التفاهة لا تصنع الوعي – بقلم الكاتب أ. حسن علي العمري

التفاهة لا تصنع الوعي – بقلم الكاتب أ. حسن علي العمري
 

لا أجد مبررا أو ذريعة مقبولة لأن يطلق على فئة معينة لدينا مسمى (مشاهير) لمجرد ممارستهم بعض البهلوانيات ومواقف التندر الساذجة التي جرفت عقول المجتمع بشكل عبثي نحو اللاوعي، تلك الفئة التي جمعتها روابط عدة من قلة المعرفة وزيادة الجهل والسفه وسوء القول والفعل، كنت أشرت مرورا لمثل ذلك في مقال سابق قبل أكثر من عام، وعولت حينها على أن الوعي الزمني وفهم الآخرين لواقعهم، وما يقدمه أولئك من هراء سيكون كفيلا بانحسارهم وتحييد خطرهم الفكري عن المجتمع، وأنهم عبارة عن فقاعة هوائية ستذهب أدراج الرياح في أقرب لحظة وعي حقيقي، لكن ظني خاب هذه المرة كغيرها من مرات عدة.

عندما اجتاح كورونا العالم كأسوأ وأخطر وباء في هذا العصر كان من حسناته أن عرى هؤلاء وأنبأ عن مكنوناتهم، فبمجرد أن أقرت الدولة بعض التدابير الاحترازية ومنها (منع التجول) وقفل بعض النشاطات، انطلق هؤلاء من جحورهم في كل اتجاه بفوضوية عالية للتجاسر على هذه القرارات ومخالفتها مع سبق الإصرار، بتوثيق ذلك في حسابات التفاهة والتسطيح، بل تجاوز ذلك بعضهم للخروج بعظمة لسانه ومخطوط بنانه متحديا وموثقا ذلك صوتا وصورة.

أصبح هؤلاء السفهاء معروفين بسيماهم، إذ يميزهم فراغهم الذي يقدمونه في السابق ورسائلهم السلبية في هذه الأزمة، والمتتبع لتواريخهم يجد أن كلا منهم يجمع المتناقضات في شخصه وسيرته، فقد يظهر المحافظة والتدين وفي مكنون ذاته عكسها، والعنصرية والتسامح في آن، ولكنهم في الوقت نفسه يبدون متفقين على الإساءة للدولة ومؤسساتها وجهودها، بشكل مستتر لا يظهر لغير المتأمل أو المهتم.

وللربط التاريخي فقد ظهرت هذه الفئة بالتقارب الزمني لخفوت ضوء التيارات الدينية وبدء انحسارها، مما يقوي بعض الظن الآثم – وليس كله – أن هؤلاء قد يشكلون نسخة جديدة مطورة من ذات التيار البائد، تتشكل وتقدم للناس بصورة مغايرة تهدف لشحن الحشود وقيادة الجموع بصورة ذهنية مختلفة تنفي عنهم النمطية المعروفة عنهم، إذا ما علمنا أن عددا كبيرا منهم على صلات وطيدة وقديمة مع جلاوزة التيار الفاني.

في مثل هذا الوضع الذي يعيشه العالم ونحن جزء منه، تستشعر قيادة وطني حجم الخطر وتستبقه بأن تقدم في سبيل منعه والحد من آثاره الغالي والنفيس، وتدفع المليارات متحملة في سبيل ذلك ما لا يمكن الإحاطة بتفاصيله، مما عُلم وما لم يعلم، إلا أن هناك من البشر من مثل هؤلاء من لا تستوعب عقولهم أو تدرك حجم الخطر المحدق والضرر الحال، وهم يقودون الدهماء إلى دهاليز مظلمة لا يرى نورها، معتقدين أن مبلغ الغرامة بسيط بالموازنة مع ما يجنونه من إعلانات مادية من حساباتهم ومعنوية من تحقيق أهدافهم الأخرى، هذا يعني أن مبلغ الغرامة المفروضة على هؤلاء ليس حلا ناجعا.

إن مقتضى الحال والمصلحة العليا للوطن وللمجتمع التي يناط بالدولة حمايتها أن يتم ضبطهم من جهات الضبط وإحالتهم لجهات التحقيق لتفنيد المحظورات القانونية التي وقعوا فيها كل جريمة بوقائعها وأدلتها وقرائنها وتكييفها نظاما من جهة التحقيق والادعاء العام، ومن ثم إلى المحكمة المختصة لإيقاع العقوبة المناسبة بهم، مع معاملتهم بالحد الأعلى للعقوبات المقررة نظاما أو التعزيرية فيما لم يقرره النظام، بحسبان أن المرحلة الحالية ظرف مشدد وعواقب أفعالهم ذات ضرر متعد.

وكذلك معاقبة شركائهم من أصحاب المهن وغيرهم، مع ترحيلهم لبلدانهم إن كانوا من المقيمين، على أن تشمل العقوبات غلق حساباتهم التي ظهروا من خلالها، ومنعهم من فتح حسابات مثيلة في وسائل التواصل لعدد من السنوات وفق ما يقرره القضاء.

مع أهمية وضع مثل هذه الاجتهادات البشرية مستقبلا، سواء في مجال صناعة المحتوى أو التوثيق والنقل تحت الرقابة والمتابعة والمراجعة والمحاسبة، كي لا تتكرر عبثية أصحابها فيظنون أنفسهم ذوي حصانة بمنأى عن أن تطالهم يد القانون، الكفيلة بإعادة صياغة أفكارهم وتوجهاتهم مع حدود العقل والمنطق. وحتى لا يصبح المجتمع ضحية بين جائحة داهمة ومواطن أو مقيم مستهتر.

 
 
 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *