الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

نوافذ مستيقظة – بقلم الكاتبة أ. أمل أحمد الجميل

نوافذ مستيقظة – بقلم الكاتبة أ. أمل أحمد الجميل

 

يُسدل الليل ستاره على أرجاء مدينتي، تُضاء نوافذ الحي فأعلم بأن الكثير غيري مستيقظ، كلاً منا يشغله هماً يؤرق عيناه و يسلب منها نومها ، فتلك الهموم أثقلتنا طوال يومنا ما أن يشتد ليلنا حِلكةً نخلع أقنعتنا ونتواجه فرادى معها بلا خوف من نظرات الشفقة في عيون الأخرين، نحن وهي وسجادة صلاة نأوي إليها كلما اشتدت وطأة المواجهة .

نلقي بها من على أكتافنا في أول سجدة لله، نتحدث بلا تردد ولا قيود نتحدث كثيراً دون مقاطعة، نبكي دون أن نخشى على صورتنا القوية في أعين من حولنا، نردد كثيراً يارب فيقول يا عبدي قد أجبت، فمن غير الكريم يجيب .
 
في النافذة الأولى هناك جارتي، كل ليلة أراها تبسط سجادتها بإتجاه القبلة تتحدث و تبكي، في أول ليلة رأيتها ظننتها تتحدث مع شخص آخر حتى اكتشفت مؤخراً أنها وحيدة لقد فقدت عائلتها بأكملهم في حادث سير، لم أرى ذاك الضعف على ملامحها ابداً، كل صباح تقابلني بإبتسامة أغبطها عليها وأتمنى لو كانت حياتي جميلة كحياتها و ليتها بقيت في عيني هكذا.
 
أما النافذة الأخيرة في أعلى البناية يعيش هناك زوجان مُسنان قد بلغا من العمر عتيا، كنت أراهما يتبادلان الحديث والضحك وتقبيل بعض الصور ثم تبدأ نوبة بكاء تنتهي بوقوفهم أمام القبلة يسجدان ويركعان حتى قرب بزوغ الفجر علمت عندما سألت الجيران عن حالهما أنهما أنجبا أربعة أبناء ومنذ قرابة الثلاثة أعوام لم يطرق بابهما أحد هؤلاء الأبناء، و ما تجود أنفسهما إلا بمكالمة في كل عيد كواجب يودان إنهائه بسرعة .
 
وبين النافذة الأولى والأخيرة عشرات النوافذ، كل نافذة تحمل حكاية مختلفة، وكل نافذة منهما تحجب شيئاً من الكبرياء لعل صورنا تبقى جميلة بأعين بعضنا صباحاً، لعل تلك الأقنعة التي نرتديها لتخفي ما بقلوبنا من هم تبقى متماسكة لا تنهار فنُفضح أمام الجميع، فلا أحد منا يود أن تتعرى همومه وخيباته وانكساراته أمام أعين لا ترحم من جارت عليه الحياة .
 

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *