من يتذكر تسعينيات القرن الماضي، والعقد الأول من هذا القرن، لن يصدق أنّنا أصبحنا في السعودية ننظر ونكتب عن أسباب اختفاء الإرهاب لدينا، ونبحث عن الأسباب التي أدت إلى تلاشيه واضمحلال أثره ودروس ذكره، حدث كل هذا في بضع سنين.
ولله الفضل والأمر من قبل ومن بعد، كان حالنا في تلك السنوات المريرة، حال من لا يكاد يفيق من صدمةٍ حتى تستقبله أخرى، لم تكن قائمة المطلوبين تُذاع إلا وتنشأ قائمة أخرى أكبر وأنكى، وربما لا يحتاج من عايش تلك الأحداث أن يُذكر بها، وبوتيرة العمليات الإرهابية المتسارعة، وضرباتها الموجعة، وكل ذلك والأجهزة الأمنية لم تقصر في عملها، ولم تتوانَ عن مجابهة تلك الثلة المجرمة، إلاّ أنّ الحرب بين الوطن والإرهاب كانت تستعر مع كل ضربةٍ أمنيةٍ تطال هذه التنظيمات، وكأنّنا في كل مرةٍ نبدأ من الصفر، ما الذي تغير في السنوات القليلة الماضية؟ حتى أنّنا نشعر أنّ الإرهاب أضحى خبرًا بعد عين.
ربما تكثر الأسباب التي توفر إجابةً للسؤال في رأس هذه المقالة، ولكن يستأثر سببان – في وجهة نظري – بحصة الأسد في التأثير على إجابة ذلك السؤال، السبب الأول هو: أنّ الدولة بجميع مؤسساتها الرسمية خرجت من المنطقة الرمادية التي ظلت قابعةً فيها لفترةٍ طويلة أثناء تعاملها مع ملف الإرهاب، هذا الانتقال تمثل في عدة نواحٍ، حيث تم تحييد الرؤوس الكبيرة التي كانت تعارض الإرهاب بشكله المباشر، ولكنها تشترك معه في جميع المقدمات التي تؤدي – حتمًا – إلى نتائجه.
هذا التحييد جاء عن طريق توقيف هؤلاء الرؤوس وكف أذاهم عن الخلق والمجتمع، حيث كانت تلك الرؤوس بمثابة رأس الحربة في التحريض والتهييج في كل حادثٍ أو مناسبة، وكانت هي التي تخلق مناخ التأزيم والتوتر في المجتمع.
ثم جاءت الخطوة الثانية، إذ تحركت مؤسسات الدولة لتحسم جميع الملفات الخلافية العالقة، التي كانت سببًا مباشرًا للاصطفاف والتحريض والاستعداء، وحينما قررت الدولة ما تراه مناسبًا لكل أمرٍ خلافي، وضحت الرؤية وهدأت النفوس، وانشغل الناس كلٌ بما يعنيه، وهذا الانتقال من المنطقة الرمادية أعاد هيبة الدولة ومؤسساتها، فبعد أن كان الناس ينتظرون الفتوى، أصبحوا ينتظرون رأي الدولة، وهذا هو الصواب بلا شك.
أما السبب الثاني فهو ما يتعلق بخنق مصادر التمويل المادي والمعنوي للجماعات الإرهابية، فمنذ مقاطعة تنظيم الحمدين في قطر، واختفاء هدايا الشنط والاستقبالات الأميرية التي كان يحظى بها من يسمون أنفسهم الدعاة وطلبة العلم عند ذهابهم لدولة قطر، ثم فضح حسابات أذنابهم الوهمية وذبابهم الإلكتروني بعد المقاطعة، سيلحظ أنّ شبكة الإنترنت التي كانت وسيلتهم الأنجع في التأثير والتجييش قد أصبحت أقل خطرًا وأخف ضررًا.
ومن يتابع مواقع التواصل قبل المقاطعة وبعدها سيلحظ هذا الأمر بكل وضوح، ومن يتذكر تأثير منتديات الساحات في التسعينيات من القرن المنصرم والعقد الأول من هذا القرن سيعرف أن العمل على هذه الشبكة قد بدأ منذ مدةٍ طويلة.
كل ما سبق لا يعني أنّ الإرهاب مات، ولكنّه يعني أنّنا انتصرنا عليه في الحرب، وعلينا أن نبقى متيقظين على كل حال.
التعليقات