من يقارن حال المناصب الوزارية في السبعينيات والثمانينيات الميلادية، وبقاء أصحاب المعالي في مناصبهم لسنواتٍ طويلة، وحال هذه المناصب في الوقت الحاضر، سيلحظ تسارعًا كبيرًا في الإحلال والتبديل، ويمكن إرجاع ذلك التغير لعدة أسباب، لعل من أبرزها طابع السرعة في الإنجاز الذي أصبح مقياسًا عالميًا لتقييم الأداء.
فالأمر الذي كان من الممكن انتظاره عدة أعوامٍ، أصبح مطلوبًا في عدة أشهر، كما أن تطور آلية تحديد الأهداف في بداية تسلم المنصب، ودقة آليات المحاسبة على مدى تحقيق هذه الأهداف، قد يكون سببًا آخر لهذا التسارع، وإذا أضفنا – للسببين السابقين – نمو الرصد الإعلامي للعمل العام، ونشاط مواقع التواصل الاجتماعي، فسنجد أنفسنا أمام خليطٍ من العوامل التي تدفع صانع القرار لهذه التغييرات التي قد تبدو سريعةً في ظاهرها، وبعيدًا عن معايير الأداء التي تنطلق منها الجهات المختصة لاختيار الوزراء أو إعفائهم، يبدو السؤل الأكثر أهمية: كيف تؤثر هذه التغييرات على مشروع التنمية الوطني واستدامته؟.
للإجابة عن هذا السؤال، ينبغي في البداية تقرير وجود فوارقٍ في القدرات الفردية للوزراء، ثم ينبغي التسليم بضرورة تأثير هذا التفاوت عليهم في أداء عملهم، وهذا أمرٌ طبيعي في حال وجود استراتيجية واضحة لـ«الوزارة» تشتمل على أهدافٍ ضرورية التحقق، حيث سيكون دور «الوزير» هو التنفيذ لهذه السياسات، واستخدام قدراته وفريق عمله للوصول للأهداف.
أمّا في حال عدم وضوح استراتيجية «الوزارة» أو دقة الأهداف المطلوبة فسيكون التغيير بمثابة إعادة اختراع العجلة في كل مرة، ولو تأملنا في وضع بعض الوزارات لدينا، لوجدنا كل وزيرٍ يبدأ مشروع وزارته من الصفر، وربما كان لكل حالةٍ مبرراتها وظروفها الموضوعية، ولكن النتيجة في المجمل واحدة وهي: إهدار جميع الجهود والميزانيات السابقة والبدء من جديد، فلو أخذنا وزارتي التعليم والصحة كمثال، سنجد أنّ كل وزيرٍ تسلم إحداهما قد بدأ مشروعًا يختلف عن سابقه، بغض النظر عن مدى النجاح والإخفاق أو الصواب والخطأ، فليس هذا هدف المقالة، فقد يكون البدء من الصفر ضروريًا في بعض الأحوال، وقد يكون هدرًا وسوء إدارة في غيرها.
تحديد الأهداف بدقة، ووضع الآليات اللازمة للوصول لها وتحديد إطارٍ زمني صارم، من الركائز التي ارتكزت عليها «رؤية 2030»، وهذا أحد أسباب قوتها وتوقع نجاحها، فالمسؤول الذي يقع عليه عبء التكليف ملزمٌ بوضع خطته وتقديم آلياته التنفيذية وجدوله الزمني، وستقوم القيادة بتذليل جميع المعوقات التي تعترض طريقه لتنفيذ خطته، ثم سيكون محاسبًا في حال الإخفاق، والمحاسبة أصبحت خاليةً من التسويف وفرص الهدر، يزخر هذا الوطن بالكفاءات، ومن يتقاعس من المسؤولين المؤتمنين فبديله قبيلة من الأكفاء.
التعليقات