الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

سقف حرية التعبير – بقلم الكاتب م. خالد عوض العمري

سقف حرية التعبير – بقلم الكاتب م. خالد عوض العمري

 

يُحكى أنّ أحد ضباط المخابرات في إحدى الدول العربية، سأل أحد المعتقلين السياسيين عن رأيه في سقف حرية التعبير في البلد، وأنّه يريد الإجابة بالتفصيل، فأجاب السجين بما يلي: أمَا السقف فقد هدمتموه أثناء اعتقالي، وأمّا الحرية فمكاني يجيبك عنها، والتعبير تجده في مناهج المدارس النظامية، وأمّا «سقف حرية التعبير» فلا علم لي به.

ربما تلخص هذه الحكاية، حال المثقف مع حرية التعبير في دول العالم الثالث بشكلٍ عام، حيث يكتب الكاتب، أو يتحدث المثقف وإحدى عينيه معلقة بردة فعل الرقيب على ما ينتج، حتى وصلنا إلى مرحلة أنّ الكاتب أصبح لديه من الذكاء، ما يمكنه من تلمس رغبات الرقيب السلطوية، ومن ثم تلبيتها، والحرص على عدم الخروج عنها.

في هذا الحراك السعودي العظيم في جميع الاتجاهات، تراجعت حرية التعبير لدينا، هذه الحقيقة التي لا يجب أن ننكرها، أو نتغافل عنها، هذا التراجع كان نتيجةً لمجموعةٍ من العوامل التي تداخلت بشكلٍ زمني عجيب، ممَا اضطر صاحب القرار في كثيرٍ من الحالات إلى زيادة القيود على ما يتم طرحه، كما أثّرت هذه العوامل على جرأة كثيرٍ من الكتاب والمثقفين في مقاربتهم للهم العام.

أحد أبرز هذه العوامل هو حالة الهجوم القذر على السعودية، هذا الهجوم الذي يشمل هذا الوطن إنسانًا وأرضًا، ثقافةً وتاريخًا ووجودًا، الأمر الذي ربما دفع السلطات الرقابية إلى زيادة ضوابطها، وتكثير عدد ما يمكن اعتباره مخالفةً من ناحية النوع والكم، مما ولد شعورًا بتراجع سقف الحريات، وتوسيع دائرة الممنوع والمسكوت عنه.

الأمر الآخر الذي شجع سلطات الرقابة على هذا التوجه، هو الاستخدام السيئ لتلك الحريات من قبل بعض المشاهير والمؤثرين، وإن كان سوء الاستخدام للحرية ليس مبررًا لتقليلها، إلا إنّه سببٌ موضوعي لا يمكن تجاهله، فإذا أضفنا إلى ذلك حداثة عهد المجتمع بهذه الحريات، وسهولة التأثير عليه وتوجيهه بشكلٍ قد يضر الصالح العام، فإن الدائرة قد اكتملت لتجعل صاحب القرار مضطرًا إلى وضع الضوابط الصارمة التي تضمن عدم حدوث هذا التوجيه السيئ.

كل هذه العوامل التي لا تخلو من الموضوعية، لن تستطيع الصمود كمبررات أخلاقية، فلا يمكن للكاتب أو المثقف القبول بخيار تراجع الحريات وتخفيض سقف التعبير، إلا أنّه من الواجب عليه تفهم دوافع صانعي القرار، وإيجاد التفسيرات المنطقية لدوافع قراراتهم، مع الاستمرار في المطالبة الأخلاقية بإطلاق الحريات، ورفع سقف حرية التعبير.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *