تتجلى نمطية السلوك العام لأفراد أي مجتمع في تعاطيه مع المحيط الطبيعي من حوله كمحدد رئيس لدرجة ثقافته ومدى قدرته على التماهي مع أدوات التطور والرقي ، وقد تجد ظاهراً في أي مجتمع من يسعى حثيثاً لمقاومة ما تروم الدولة الحديثة لترسيخه وبناءه عبر برامجها التنموية أو ما تقره من تشريعات لأي جانب يتعلق بحياة المجتمع ، وعلى منحاً أخر تلمس من يستميت لإحياء قيم ما قبل نشوء الدولة كمعوق صاد يراد به تعثر وإفساد كل خطوة حديثة يُتأمل أن يحملها أفراد المجتمع وتترسخ عملياً في كافة أخلاقياتهم وتعاملاتهم .
في مجتمعات متعددة يظهر للعيان من يذكي الولاء الإثني داخلها فيخلق ولاء مزدوجاً مع ما يجب عليه من الولاء المطلق للدولة ليتحول به الى ولاءات متنوعة منها ما هو للمذهب أو الطائفة أو القبيلة أو للون وبما لا يتفق والثمرة العليا لمختلف الجهود التنموية الهادفةلأن ترسخ سلوكاً راقياً لدى الأفراد كمطلب أساس لمكونات الدولة الحديثة ، لاسيما إذا قطعت الدولة شوطاً كبيراً في تذويب هذه الأفكار وكانت قد بنت توليفة وطنية متجانسة بين مختلف فئاممجتمعها .
أعتقد حد الجزم بمدى العمق المؤذي للخطورة المنتظرة من نشوء وتغلغل وتنامي تلك الولاءات الاثنية عند غض النظر عنها والتقليل من ضررها ، وستؤول بالمجتمع للانقسام وصرف الولاء عمن يفترض أن يكون له ، فتتعرض تبعاً لذلك خطط التنمية للتشويه والعرقلة أو التقليل من جدوى أي خطوة تتخذ للأمام .
في المجتمعات العربية وغيرها تشكل القبيلة مكون أساس في حياة الكثير من الأفراد في الغالب الأعم ، إلا أنه وفي ذات السياق فمن غير الممكن أن تستغل فكرتها لحجب الثقافة الحديثة والعصرية ، فيصبح الوعي القبلي ومدى الولاء له هو المحدد لمستوى السلوك المقبول للأفراد أو درجة الرضى عن أياً منهم ، وكمثال لذلك قد تجده بوضوح في ميادين الوظيفة العامة إذا كانت التصرفات الوظيفية لهذا الموظف أو ذاك خادمة لأهداف ذلك الوعي ومتماهية مع من يشاركه ذات التوجه والانتماء ، ليبدو وكأنه قد سخّر وقته ونفسه وواجباته لخدمة تلك الكيانات بعيداً عن عمومية حق الدولة في التفرد بذلك الولاء وقد حلّت مكان القبيلة الصغرى وأصبحت الجامعة لكل شتات ، ولكل ذلك أو بعضه فإن أي هوية تبنى على أسس مناطقية أو مذهبية أو قبلية لهي فلسفة عنصرية متأخرة لا يمكنها التماهي مع العصر ولا الارتباط بالأصل وستتيه شخصيتها بينهما لتفقد في النهاية مستقبلها وسيكون مصيرها الحتمي الضعف والاضمحلال والانهيار ، وأن من لم يستوعب ذلك أو أنه في قرارة نفسه لا يرغبه ، فعليه الترجل عن مظلة الدولة وميادينها حتى لا تستغل لإذكاء هذه العصبيات أو الانتماءات ، وهذه الأفعال هي في تقديري أشد أنواع الفساد ضرراً بالنظر لأثارها ومآلاتها .
ويقع على الجميع واجب محاربة هذا المسلك كواجب وطني تتحمله مؤسسات الدولة وسلطاتها وأفرادها ، ويسير بمحاذاة ذلك ويدعمه المناداة بإقرار التشريع المتعلق بمكافحة العنصرية والكراهة والتمييز بين فئات لمجتمع الواحد بسبب الانتماء المختلفة بأي صورة أو وسيلة مكتوبة أو مسموعة تلميحاً أو تصريحاً لحماية لحمة الوطن وتماسكه ، وليبقى شعار الجميع أن الوطن المظلة الكبرى للجميع وأن المواطنة حق مكتسب لجميع أفراد الوطن دون تمييز أو تفضيل .
المختصر البصري
- فكرة الحق في الأديان والقوانين تؤكد أن الحقوق العامة واجبة الأداء هي حق الدولة وموضوعه ولاء الرعية لها ويقابله حقهم عليها في اقرار الأمن والنظام ومقاومة الجريمة وإقامة المنشآت الخدمية كالطرق والمستشفيات والمدارس .
- لا يمكن مطلقاً اخراج الأفراد في مجتمعنا من فكرة الانتماء القبلي وفي ذات الوقت لا يمكن القبول بأن تتلبسهم تلك الفكرة فتكون المحرك لهم أو تطغى على ولائهم للدولة .
- تقضي نظرية الحق بالنظر الى صاحبه بأن حق المجتمع هو ما يتعلق بالنفع العام للبشرية دون أن يختص به شخصاً معيناً نظراً لخطورته وشمول نفعه كونه ضرورة حياتية لكل المجتمعات .
التعليقات