الخميس ٢٩ مايو ٢٠٢٥ الموافق ٢ ذو الحجة ١٤٤٦ هـ

صُناعُ الثروة في بلادي ( علي بن سليمان ) – بقلم الكاتب أ. ندى الشهري

صُناعُ الثروة في بلادي ( علي بن سليمان ) – بقلم الكاتب أ. ندى الشهري

 

إذا كانت لديك أفكار طبية قدمها وأنت حي.. قدمها لمجتمعك وبلدك وإلا.. لا فائدة من وجودك في الحياة.. علي بن سليمان من عسير ومن قلب تنومة الزهراء يمم فتى الثالثة عشرة من العمر وُجهتهُ صوبَ رياضِ العز، بعد أن قضى في تنومة ِسنيَّ طفولتهِ الأولى في كنف والديهِ وبين أحضان قريتهِ التي درس فيها مراحل دراسته الأولى.

عاش الفتى الذي يعتبره أهلهُ مبروكاً وجاء الخيرُ مع ولادتهِ في قريتهِ الوادعةَ حياة البساطةِ . كان أثناءها يساعد والدهُ في حراثةِ الأرض، كما يبيعُ بعض المستلزمات البسيطة كي يكسب منها بعض المال القليل ليسد حاجتهُ من النقود! 

نشأ الشاب “علي الشهري” مابين تنومه والطائف. حلمُ بثياب جديدة للعيد غيرَ الثوبين اللذينِ لا يملك سواهما للأعياد، ففكر في أن إتلاف أحدهما سوف يعوضه بثوبٍ آخر جديد لكن ضربةً على وجهه أعادت لهُ صوابه! راودتهُ أحلامُ وطموحاتٌ تتعدى حدود تنُومتهُ وطائِفهِ، الذي كان عسكريا مُتدربا في سلاحِ إشارته! ،وقرر بعد تفكير عميق أن يرحل إلى الرياض يحدوهُ الأمل وتدفعه العزيمة لبذل الجهد للبحث عن عمل، راجيا أن ترسو سفينته على وظيفةً جديدة يبحث فيها عن ذاته وعن مستقبلة،

عمل في إحدى المطابع في شارع الريل مطابع (نجد) مُجلِداً للكتب والدفاتر تعلم الصنعةَ جيدا لم يكلّ ولم يملّ، عمِل منذُ إشراقه الصبحِ إلى غروب شمسها على دفعتين ومن ثم يعود وقد هدّهُ وأنهكهُ التعب إلى تلك الغرفة (الصندقةٍ) التي تقاسم معهُ سُكناها بعضُ معارفه،كانت تفتقر لأبسط مقومات الحياة وحتى الماء يجلب لها بمشقة كبيرة من خارجها!

أما الطعام فيشترك في ثمنه الجميع فيما يسمى باللغة الجنوبية (الفرّقه) تجتمع الأفواهُ في ذلك المكان البائس على (عصيدة ومرق ولحم) فأما المرقُ فتطبخُ فيهِ عصيدةُ الغداءِ وأما اللحمُ فيُرفع للعشاءِ مطهوا مع أُرزٍ ويجتمعُ عليهِ نفرٌ كثير!

ظل علي بن سليمان يحلم وطموحهُ يعانق عنان السماوات ويضرب بجذوره في الأرض ضاق ذرعا بتلك المطبعة الصغيرة والتي لم تُدر عليه إلا القليل بعد أن ترك الوظيفة العسكرية. باحثا عن تحدٍ كبير ومغامرة مدروسة أيقن في أعماقه أنها ستوصله بإذن الله إلى الطريق الصحيح الذي خطه وارتسمهُ لنفسهِ. انتقل بعدها لمطابع الجزيرة براتب( 120 ) مجلدا للسجلات الحكومية.

وفي ذلك الوقت انتقلت الحكومة من مكة إلى الرياض فتوجه الشاب “علي الشهري” إلى وزارة الماليةِ مُخبرا إياهُم بأنه يعملُ مُجلِداً للكتبِ فجاءه الردُ بأن لديهِم دفاتر كثيرة أُتلفت وتحتاج لتجليد وحينها تم تسليمه عشر دفاتر لتجليدها، عكف الشاب على الشهري عليها ومن ثّم سلمها لهم فُأعجِبوا بعملة المتقن ونجحت التجربة واستمر معهم محققا دخلا وقدره (2000) ريال ثم أنتقل لوزرة الزراعة لاحِقاً.

وفي أثناء تجوالهِ مرّ على حراجٍ لبيع الأراضي دفع فيه المبلغ الذي كان يتحكمُ عليه وعلمّ على الأرض التي اشتراها كي يستدل عليها لاحقاً ويحفظ حقه. رحلة كفاح الشيخ علي كانت مُضنِيةً ! – يقول الشيخ علي بن فراج أحد أعيان تنومة: قابلت الشيخ علي في بطحاءِ الرياض كانت يديه مليئتان بالجراح وبالدماء وعليها آثار جروحٍ غائرةٍ جراء التجليد المرهِق!

اشترى الشيخ علي أرضاَ وخطب، وبنى بيتاً، وأجرهُ عاما قبل أن يتأهل ومن ثم أكمل نصف دينهِ. طار بعدها إلى لبنان ملتحقا بدورة لتعُلم الطباعة مبتعثا كي يعود لاحقا للعمل في مطابع الأمن العام. كان من شِدة التعب ينام تحت مقص الورقِ مُنهكاً مُضنىّ ! – ترك الشيخ علي الأمن العام واستقال منهُ للمُضي في تحقيق حلم حياته! كبُرت مطابع الشيخ علي الشهري وباع إحداها بـ (250) ألف ريال. ودارت في بالهِ بعد أن باع مطابعه ( صناعة البلاستك) وأصبحت هدف حياته !

فتوجه إلى إيطاليا واشترى مكائن كان يحتاجها وقفل بها راجعًا إلى الرياض ليترجِم حُلمه على أرض الواقع ويال محاسن الصدف حيث وجد أن الدولة بدأت ببناء مدينة صناعية فتقدم بطلب الحصول على أرض فتجاوبت الدولة مُخصِصة لهُ أرضاً ومن بعدها انطلق في بناء وتركيب مكائنه ..

مازال يذكر الشيخ عليُّ لقاءه بالدكتور غازي القصيبي رحمة الله وزير الصناعة في ذلك الوقت مبديا لهُ رغبتهُ في صناعة أكياس وصناديق بلاستكية وبيعها على الشركات، فشجعه على المضي قُدمًا فيما عزم عليه، توجه بعدها إلى إيطاليا لشراء مكينة وصناديق عائدا بها إلى جدة. لكن وزن المكينة الكبير (160) طن لم يساعد على نقلها للرياض.

وبعد مشورة سديدةٍ توجهَ إلى وزير الدفاع حينها سموا لأمير سلطان بن عبدا لعزيز مُعرِفا بنفسهِ وبقصةِ المكينة العالقة في الميناء،طالبا منه الدعم، نظر إليه الأمير سلطان – رحمات الله تترى عليه – قائلا: خيرا إن شاء الله. وفي غضون أسبوع وصلت البضاعة للرياض مع سيارة الحكومة والجيش وبعد تركيب المكينة بدأت الشيخ ينتج (سُطول) نظافة الرياض وصناديق البان الصافي، ومن ثم توجه باكرا إلى وزير الصناعة قائلا: هاقد صنعت الصناديق وجاء الآن دور الوزارة لاستكمال مايلزم، فتم بعدها تسعير المنتج السعودي وتشجيع الشراء منه فاشترت منه الصافي والمراعي وغيرها من الشركات!

يقول الشيخ علي : عِشت الحياة بحلوها ومُرِها لكنني كنت أرى النجاح يوما بعد يوم أمام ناظري!
،وأنا أأومن أن الإنسان في حياته تمر به الفرص فإذا توفق اكتسبها وإلا ضاعت عليه، كما أنني أثق بمن أعمل معهم وأمنحهم الثقة إذا وجدت أنهم أهلٌ لها) ولم أذكر أنني أضعت وقتي يوما فيما لا يُفيد ! – كما أنني لم أهمل في خضم انشغالي أهلي وعائلتي فكان لهم نصيب وافر من اهتمامي وعنايتي . 

تلك باختصار رحلة الشيخ ورجل الأعمال علي بن سليمان الشهري على طريق الثروة و خطى النجاح وعبر الدروب الوعرة التي تخطاها بعزيمته الفذة وإصراره. وهاهو الآن أحد أهم رجال الأعمال والصناعة الأفذاذ ورئيس مجموعة الشرق للاستثمار والصناعة في الريا ض ودبي. المعنى الحقيقي لكلمة عصامي ترجمها الشيخ علي في مسيرة حياته الحافلة بالعطاء والاجتهاد والإخلاص.

آخر الكلمات:
ماذا قدم الابن البار لوطنه ومدينتهِ:
– سبع مصانع شجع فيها الأيدي السعودية ودعمها .
– مُساهم في المسؤولية الاجتماعية في مدينة الرياض ومسقط رأسه.. وغيرها الكثير.. فطوبى لهُ وحسن مآب

الكاتبة أ. ندى الشهري ( كاتبة رأي سعودية )   ضيفة صحيفة – النماص اليوم –

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *