الجمعة ٢٣ مايو ٢٠٢٥ الموافق ٢٦ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

الدكتور رياض الشهري .. الصحوة ( مشروع ديني وليس مشروع تنموي )

الدكتور رياض الشهري .. الصحوة ( مشروع ديني وليس مشروع تنموي )

صحيفة النماص اليوم :

 

كشف الباحث في قضايا الأمن الوطني الدكتور رياض الشهري، عن أبرز ما يميز حركة الصحوة والإيجابيات والسلبيات التي انعكست على المجتمع السعودي. وأوضح الشهري، أن الصحوة عبارة عن حركة اجتماعية قامت على أساس ديني وحملت فكرا دينيا ( وليس مشروعا نهضويا أو تنمويا ) مثلها مثل العديد من الأفكار الاجتماعية التي نشأت في العالم فيها الصادق وفيها المتملق وفيها الانتهازي وفيها الرموز وفيها الرعاع. وأضاف أنها ظهرت كردة فعل فكرية لمواجهة المد الشيوعي والماركسي والبعثي الذي اجتاح المنطقة العربية في الستينيات والسبعينيات الميلادية، وارتفعت أسهمها كحل للخروج من شعور الإحباط لدى الشعوب العربية نتيجة هزائم القوميين والناصريين أمام إسرائيل إبان (نكسة حزيران عام 67م). وحول إيجابياتها في ذلك الوقت، أشار إلى دورها في انتشار المساجد وعودة الناس للدين النقي الخالي من الشركيات والصفاء العقدي، ومحاربة البدع، والاهتمام بتلاوة القران وحفظه، وإقبال الشباب على القراءة (الدينية فقط) دون غيرها. وأكد أنها كانت حريصة على أخلاق المجتمع وانتشار العمل الخيري وإحياء السنن التي اندثرت مدة من الزمن وإحياء التاريخ والثراث الإسلامي، كما أنها أظهرت مكانة المملكة في العالم الإسلامي كقائدة حتمية للدول الإسلامية إلى اليوم بلا منازع. وعن المساوئ والسلبيات التي وقعت فيها الصحوة كتيار داخل المجتمع وبعض إفرازاتها طيلة العقود الماضية، أنها أخذت بالتشدد أكثر من السماحة وأخذت بالقول الفقهي الواحد دون تعددية الأقوال الفقهية والأحكام الخلافية، فألزمت الناس برأي واحد وجعلت ما هو محل خلاف أمر واجب يحرم تجاوزه، وتوسعت في الحرام أكثر من توسعها في الحلال. ورأى أن من أخطر ما قدمته الصحوة هو التوسع في سد الذرائع أكثر منه في التيسير على الناس، وهو ما أدى لتكبيل المجتمع ومكوناته والدخول في النيات والذمم وتقسيم المجتمع إلى (ملتزم أو مطوع) وغير ملتزم مما خلق تصدع مجتمعي غير ظاهر، وتوجس بين الطرفين حتى في البيت الواحد. ومن مساوئ الصحوة، أكد سقوطها في وحل الحزبية ومستنقع الاستبداد الديني وتعصب الفكر والإقصاء التام للمخالف، في حالة من تغييب العقل خاصة عند الشباب وكبار السن، ومنع الحوار ومناقشة الأفكار بالحجة والإقناع. وبيّن أنها مارست (ردة الفعل اللحظي) ضد مخالفيها من داخل المملكة وخارجها، والتشهير القاسي بمخالفيها ومنتقديها واستعدت المدارس الفكرية بحجة الزندقة أو العلمنة وغيرها من التصنيفات، مما أدى إلى خسارة الساحة الثقافية لكثير من الكتاب والمفكرين وانحسارهم أمام التشكيك في عقائدهم وتوجهاتهم. وبالإضافة إلى ذلك، أن الصحوة استنفذت قواها في مظاهر تعبدية محضة واختزال الدين في مظاهر شعائرية وتحول بعض العبادات إلى عادات، فكان المظهر هو فيصل الحكم في الملتزم من  غيره. مقابل إقصاء والنظر بالريبة للشخص الذي لا يظهر عليه الالتزام دون النظر للعبادات القلبية وعمق الفكرة الإيمانية. وأما أخطر مساوئ الصحوة وأشرسها، في نظر الشهري، هو التشكيك في شرعية الدولة وتحريض الشباب ومخاطبة العواطف واستدعاء جراحات الأمة دون النظر لمآلات الخطاب التحريضي وانعكاساته على الأمن والوحدة والسلم المجتمعي ودون النظر للدولة على أنها عضو في المجتمع الدولي وإشكالاته. ولفت إلى سعيها للقفز على مؤسسات الدولة وخاصة ذات الطابع الديني، فبعض مؤسسات الدولة كانت تدار من داخل الاستراحات والمخيمات، فالموظفون لا يلتزمون بالعمل المؤسسي ولا بلوائح وتعليمات منظماتهم وإنما بتعليمات رموزهم فقط. وأبرز أن من إفرازات الصحوة على المجتمع هو انغلاقها على نفسها في إطار ضيق أدى لرفضها العلوم التجريبية وبعض العلوم الإنسانية والفلسفة بحجج دينية ليست قطعية ومحل خلاف فكري وديني مما حرم الشباب والمملكة الكثير من الفرص فكم من مبدع وذكي تحول إلى شيخ زاوية برفضه الانخراط في التخصصات العلمية. وقال إن “التطرف والغلو (شئنا أم أبينا) هو نتاج حقيقي لخروج الصحوة عن مسارها وتطور طبيعي لخطابها المتشدد وانغلاقها على فكرها واستعدائها للمخالف سواء الديني أو السياسي أو الفكري. مما أفرز لنا فئة رأت في الجهاد (القتال) ضد الأوطان أجل وأسمى من جهاد الأعداء”. واستكمل “من يستدعي خطاب الملك فهد (رحمه الله) في ثنائه على الصحوة لا يفقه الخطاب السياسي، فبعض إفرازات الصحوة لم نرها في عهد الملك فهد وإنما عاصرناها عملياً إلا في عهد الملك عبدالله وعهد الملك سلمان من تفجير وتكفير وتشديد وتحريم”. وشدد على أن السياسي يفكر بلغة المصالح وأما الفقيه فيفكر بلغة الحلال والحرام والاقتصادي يفكر بلغة الربح والخسارة والعسكري يفكر بلغة النصر والهزيمة، وهنا يكمن الخلاف ويكمن التضارب إذا تداخلت الأفكار وتعارضت الرؤى. واسترسل الشهري “بعد هذا الاستعراض ما ذا يمكن أن نقول؟ في رأيي أن الصحوة تجربة لها ما لها وعليها ما عليها وقد فشلت في تقديم صورة مشرقة للإسلام وفشلت في تقديم مشروع نهضوي أو فكري للعالم والدليل انحسارها وتخطبها في كثير من محطاتها مثلها مثل كثير من الحركات الإسلامية في عالمنا العربي والإسلامي”. واستدرك “ليس عيبا أن نتراجع ونعلن التصحيح بل هي شجاعة وإقدام فالرئيس ميخائيل جورباتشوف أعلن في كتابة (البيريستوريكا) “إعادة الهيكلة” فشل مشروع الاشتراكية بعد 70 عاما من محاولة تطبيقها وقال: إن الفكر الحالم غير قابل للتطبيق. وحث على أهمية الإيمان بأننا في سفينة واحدة وأن صراع الأفكار وتناطح العقول لن يقف ما دامت الغبراء وما دمنا تحت أديم السماء ويجب قطع كل يد وفكر يهدد كيان الدولة ووحدتنا ونكث بيعتنا وتهديد أمننا والارتباط بمنظمات ودول خارجية مهما كانت الأسباب والمبررات كدعاوى (الحرية والديمقراطية).

 

التعليقات

تعليق واحد على "الدكتور رياض الشهري .. الصحوة ( مشروع ديني وليس مشروع تنموي )"

  1. لا زال فينا من لا يعجبه هذا الحديث ، فكثير هم اؤلئك الذين يرون ان نقد الصحوه هو مساس بالدين . فيما الحقيقة أن هذا المقال قد عرج بالقول على بعضها، وتجاوز عن الخاثر من القول، خوفا من ان يصببه حاصبا من النقد، أو وابل من السخرية .
    ونحن فينا سماعون لصوتهم المتطرف ، و الذي ادركت جزاء منه وتدربت على لحنه ، في ابها كان لنا حائطا هناك يشبه حائط المبكى . تسمع لنا عويل وبكاء ، وحولنا يغاث الفتية ويعصرون ، حتى أذا استوينا على جود اللقاء ارتفعت الاصوات وطاف علينا غلمان بكتاتيب موسومة واشرطة مختومة، عليها نداء للخير هيا أقبل وللمتصدق هيا انفق ، نتهافت عليها مسرعين ونشير بالبنان لمن ظفر بها ، نحملها برفق كأنها الواح ودسر .
    والان بعد ان حملنا صواع الحياة ووضعناه في رَحْال التقاعد . خرج من كان بالامس قائما في محرابها ينادي ويعتذر عن حرمان المجتمع من كل ذكرى مبللة بفرح .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *