الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

حياتنا من صنع أفكارنا – بقلم الكاتب أ. عبدالله ضايح العمري

حياتنا من صنع أفكارنا – بقلم الكاتب أ. عبدالله ضايح العمري

 

كم هو جميل أن نجعل حسن الظن أساس تعاملنا مع الآخرين فاسلافنا حرصوا على ذلك – لما تمتعوا به من حسن الديانة وما تميزوا به من البصيرة الثاقبة التي جلَّت لهم الحقائق وأبعدت عنهم الوهم – في يوم من سوء الظن فقدت قلمي، فاشتبَهت بأن ولد جاري سرَقه، فأخـــــذت اراقبه. – فكان مشيه، ونطقه وتصرفه يوحي بأنه سارق القلم. فبتُّ ساهراً افكر فيما جرى.

– وبينما كنت اقلّب أوراقي، عَثرت على القلم ! – في اليوم الثاني – نظرت الى الولد نفسه – فلم يظهر شيء في مشيه وهيأته أوكلامـــــــه أو سلوكه يوحي بأنه سارق القلم .. – ليلة امس كنت أنا السارق ! فعندما اتهمت ولد جاري ظُلماً، – سرقت أمانته و براءته ! – بِتُّ في حزنٍ و أرق، ومن ثم سرقت يوماً من حياتي !

فى اوقات كثيرة تحكمنا مشاعرنا وشكوكنا و ظنونا فنخطىء الحكم و نسيء لمن حولنا. ومن هنا – تعلمت أن كل فعل سببه الغضب عاقبته الإخفاق والندم – وأن سوء الظن ‏يجعلك تتخيل ما لا يوجد – فتذكرت قوله تعالـــــى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ “

– وأدركت أن حسن الظن يجعلك تتجاهل ما هو مؤكد ! كما قال الشاعر : 

                                      وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَـــةٌ .. وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا

لهذا أقول : ياﺣﻲ ﻳﺎ ﻗﻴﻮﻡ ﺃﺻﻠﺢ ﻟﻲ ﺷﺄﻧﻲ ﻛﻠﻪ ﻭﻻ ﺗﻜﻠﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﻃﺮﻓﺔ ﻋﻴﻦ – ثم أناشدك أخي – أن لا تسيء الظن، واعلم أنك ذو قيمــــــة كبيرة اذا استشعرت ذلك، فحسن الظن بالناس راحة لك، فالله المطَّلع على البواطن وهو من يتولى السرائر ويُحيط بها. 

– واعلم أن لحسن الظن بالناس منزلة عالية فهو :  
يدفع العدواة والبغضاء ويعزز المحبة 
يجعل الصدر خال من الأحقاد والضغائن
يقود لحب الناس ويدعم روابط الألفة بينهم 
وأشمل من ذلك – حثُّ عليه النبي في قوله:

( إيَّاكم والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أَكْذبُ الحديثِ ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تَنافسوا، ولا تحاسَدوا، ولا تباغَضوا، ولا تدابَروا، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا ).

نعم إذا تمثَّل مجتمعنا فضيلة “حسن الظن بالناس*” إلى درجة أن يصبح ظاهرةً – فإنّ عدونا سيعجز عن النيل منا، وتفشل محـــــــــاولاته – فالقلوب المبنية على إحسان الظن ببعضها تكون متآلفةً لا يلج إليها أويعكر صفوها خبيث ومن هنا يترفع المجتمع عن المنكرات ويـــــــزداد تماسكا ولحمه .

 أما سوء الظن فيهلك صاحبه ويوصله لغضب الرب وسخطه نتيجة – تتبع عورات الناس والبحث عن الزلات والسقطات ، وزرع الشر ، وقطع الأخوة والمودة . وقد حذَّر الله سبحانه من ذلك في قوله تعالـــــى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ “. 
وكما قال رسول الله : “حسنُ الظنِّ مِن حسنِ العبادةِ “، فهو ترجمةٌ على أرض الواقع  تتحقق بالعمل لا بالقول ، فالإيمان يؤخذ بالأفعال لا بالأقوال ،

لهذا اذكر بعض من الأمور التي تعين على بلوغ درجة إحسان الظن : 
     أن يُنزل المسلم نفسه منزلة الخير بالسعي، والتوجه بالأفعال والأقوال والمعاملات لذلك .
    حمل ما يسمع من كلام الناس على محمل الخير فلا يظن في قولهم شراً، ولا ينظر إلى تصرفاتهم نظرة الريبةٍ أوالشك . 
    التماس العذر للغير قال ابن سيرين : ” إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً ، فإن لم تجد فقل : لعل له عذراً لا أعرفه ”               – استحضار آفات سوء الظن بالناس فلا نزكي أنفسنا بالشك بهم 

   – عدم الحكم على النوايا فلا يعلمها إلا الله ، فعَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ، قَالَ : ” بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليــــه وسلم إِلَى الْحُرَقَةِ مِن جُهَيْنَةَ قَالَ: فَصَبَّحْنَاهُمْ، فَقَاتَلْنَاهُمْ، فَكَانَ مِنْهُمْ رَجُلٌ: إِذَا أَقْبَلَ الْقَوْمُ كَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ عَلَيْنَا وَإِذَا أَدْبَرُوا كَانَ حَامِيَتَهُمْ، قَالَ: فَغَشِيتُهُ، أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِينَاهُ، قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ، وَقَتَلْتُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا مِنَ الْقَتْلِ، فَكَرَّرَهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ ” 

– نسأل الله أن ينفع بها وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *