الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

تاريخ ولاية الجهوة – بقلم الكاتب أ. عبدالله بن معدي الخشرمي

تاريخ ولاية الجهوة – بقلم الكاتب أ. عبدالله بن معدي الخشرمي

 

استقبلت في الأيام الماضية عددًا من الإشادات والتعليقات التي تثني على مقالي السابق المنشور في صحيفة إكترونية بعنوان ( الموجز في تاريخ ولاية الجهوة ) بعضها وصلني عبر حساب الواتساب وبعضها عبر مواقع التواصل، وكان أبرزها تعليق سعادة الاستاذ الدكتور صالح أبو عراد رئيس قسم التربية بجامعة الملك خالد الذي علق عبر حسابه في تويتر قائلًا ( نشر الكاتب عبدالله الخشرمي مقالًا أبدع فيه الكاتب أيما إبداع حيث تناول فيه : التسمية والموقع والأعلام والآثار ) 

إنما جاءت – بعد فضل الله – هذه الإشادة وغيرها من الإشادات التي استحسنت طريقة عرض المقال، بسبب الألفة وطول عهدي بالكتابة التاريخية كوني مؤرخ متخصص في مجال التاريخ ، وكوني أيضًا كاتب لمدة تزيد عن عقدين من الزمن ، وهي منهج البحث العلمي الذي يعتمد عليه كل باحث عند الشروع في كتابة رسالته البحثية ، وفي هذا المقال سأحاول الرد على بعض التعليقات والمقالات التي نشرت بهذا الخصوص ومنها مقال الراوي الأستاذ أحمد بن عايض الحسيني ، فأقول ..

البروف العواجي عراب الجهوة لم يمتط جواد تاريخ الجهوة ترفًا بل بناءً على طلب أبناء رجال الحجر أنفسهم ، وتحديدًا بناءً على طلب عدد من مؤرخيها في مؤلفاتهم ومنهم البروف عبدالله أبوداهش ، كما أن العواجي عين عضوًا مقررًا في لجنة حصر المواقع الأثرية في منطقة عسير ، وقضى ست سنوات وهو يميط اللثام عن آثار الجهوة ، ليخرج لنا هذا الكتاب ، وليخرج أيضًا حضارة الجهوة التي تجاهلتها الجغرافيا والتاريخ وأنصفتها الآثار، ونال على هذا الكتاب جائزة الملك سلمان لدراسة تاريخ الجزيرة العربية من دارة الملك عبدالعزيز.

في الحقيقة أن موضوع آثار الجهوة أكبر من مستوى المثل القائل ( أهل مكة أدرى بشعابها ) وأثريًا وتاريخيًا وحضاريًا هو أكبر من مستوى الحديث عن قرية أسمها الجهوة ،نعم.! هناك جوانب سياسية عادة ما يبرزها لنا التاريخ الذي يهتم بنقل النصر والهزيمة والصراعات السياسية بصفة عامة ،نعم.! هناك جوانب جغرافية عادة ما يبرزها لنا الرّحالة والرواة الذين يهتمون بنقل الحدود وأسماء الجبال والأودية والقبائل والزعماء ومنهم الهمداني ، لكن تظل هناك الحضارة الإنسانية التي لا يبرزها إلّا علم الآثار ، وهذا ما يميز الجهوة في كتاب العواجي عراب الجهوة.

قال عنها الهمداني هي أكبر من جرش ، وهذا القول هو بمثابة طريق العبور إلى الجوانب التاريخية والحضارية على حدٍ سواء ، فآثار الجهوة ونقوشها متناثرة في مواقع كثيرة من المنطقة التي رجحها عرّاب الجهوة ، وهي آثار ونقوش تدل على وجود علوم ومعارف في مجالات متعددة كالطب ، والزراعة ، والفلك ، واللغة العربية ، وعلوم القرآن والحديث ، وأخيرًا في الخط العربي الذي يعد أبرز العلوم التي كانت تدرس في ولاية الجهوة ، وهذه النقوش تؤكد لنا بأن الجهوة كانت مركزًا لعلوم عدة وتحديدًا مركزًا لعلوم القرآن والحديث النبوي الشريف ، وهي أفضل من كتاب الهمداني في الحديث عن ذاتها.

وللعلم، تتم الاستعانة حاليًا بنقوش المحدثين في الجهوة على تصحيح الكثير من أخطاء المحدثين الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم في أسماء رواة الحديث من أبناء الحجر ، فهي نقوش تصحح الأسماء التي قد يخطئ فيها أهل الحديث ، وتساهم في إنهاء خلافات امتدت لمئات السنين حول أسماء بعض المحدثين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن التابعيين ، فقد وجدت نقوش لأسماء بعض الصحابة في بلدان عربية أخرى – كمصر والشام والعراق – ووجدت لهم أيضًا نقوش في الجهوة تحمل أسمائهم بالقبائل المنتمين إليها ، والمتعارف عليها في بلاد الحجر.

كما أن هذه النقوش تحمل أسماء قرى وقبائل ما تزال قائمة في وقتنا الحالي ، وعلى ذات الاسم أيضًا ، ويعود هذا الأمر إلى أن نسبة كبيرة من أبناء الحجر الذين ذكروا في كتب أهل الحديث ، هم من الجهوة وما حولها ، لكنهم لم يهتموا بالكتابة عن أصولهم وأنسابهم ، واهتموا بخدمة الإسلام والكتابة عن الدين وعلوم السنة النبوية ، وأحيانًا كتابة السور القرآنية ، فنجد أنهم عندما كانوا في ديارهم وقراهم ذكروا أنسابهم على الوجه الصحيح ، ولكن عندما كانوا خارجها اكتفوا بالكنية أو الاسم المختصر.

وعلى مقالي السابق ( موجز في تاريخ ولاية الجهوة ) قد علق الأستاذ عبدالله بن جاري البكري، ذكر بأنه وجد نقوش تتحدث عن موسى وهارون عليهما السلام ، وأيضًا ذكر بأن النقوش التي وجدها البروف علي العواجي عراب الجهوة تقع على طريق الحج ، وفي تعليق آخر للراوي الأستاذ أحمد بن عائض الحسيني – ذكر بأن مقاله تعقيب على المقال !! وأن اسرة الجويبر ليس لهم نصًا ولا نقشًا يثبت سلطتهم، وهو ليس تعقيب حيث لم يضيف لمقالي حقيقة واحدة ، وأنما أشاد بالمقال ، ثم شكك في بعض الحقائق دون إضافة حقيقة وإثبات ، ثم وجّه لي بعض الأسئلة ليكتفي بتحميلي مئونة البحث والإجابة نيابة عنه!!

وأعلق على ما ذكره الأخوين في تعليقهما السابق على مقال ( موجز في تاريخ ولاية الجهوة )، وأقول؛ أولًا أن النقوش تثبت لنا بأن الجهوة لم تكن قرية صغيرة بل كانت ولاية كبيرة وجامعة كبرى لتدريس مختلف العلوم وعلى رأسها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وثانيًا في زمن الدولة العباسية كانت هناك وزارة للكتبة ويرأسها وزير كوزارة التعليم في عصرنا الحاضر ، هذا ونحن لم نتطرق إلى عهد الخلفاء الراشدين والدواوين ، لذا أقول بأن أسرة الجويبر كانت أسرة تعلم الكتابة وتعلم حسن الخط ولم تقتصر في تعليمها على قرية واحدة ، كما أن الاعتقاد الحالي هو أن أسرة الجويبر قد كتبت القرآن كاملًا على الصخور ، وهذه سلطة علمية يثبتها النقش ولست أنا.!

أخيرًا ؛إذا كانت النقوش المكتوبة بيد أهل الجهوة أنفسهم تقول ما ذكرته سابقًا ، وكتاب البروف عراب الجهوة الذي حصل على جائزة الملك سلمان من دارة الملك عبدالعزيز يقول ذلك أيضًا ، وكتاب المحقق العلمي العلامة الدكتور عمر العمروي، الذي حصل على جائزة التحقيق العلمي من وزارة الثقافة والإعلام يقول ذلك أيضًا ، وكل هذا لم يقنع الأستاذ عبدالله بن جاري البكري والراوي الأستاذ أحمد بن عائض الحسيني ،فما الذي يقنعهما؟ هل نخترع لولاية الجهوة قصة ونصدقها!؟ للإطلاع سأرفق لكم بعض الصور من كتاب القبس والجذوة في بيان موقع الجهوة للدكتور عمر بن غرامة العمروي، وقد بين فيه المؤلف الآتي: أسرة الجليد، أسرة الجويبر، بيان غزوا السلاجقة عام 551هـ.

 

 
 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *