الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

فما ظنكم برب العالمين – بقلم الدكتور عبدالله بلقاسم الشهري

فما ظنكم برب العالمين – بقلم الدكتور عبدالله بلقاسم الشهري

 

في الصحيحين ( مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ) وَعَنْ أَبِي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى” ( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ) وفي رواية الطرابني إن الله تعالى يقول انا عند ظن عبدي بي ان خيرا فخير وان شرا فشر قال المناوي وغيره ( انا عند ظن عبدي بي ) اي عامله على حسب ظنه وافعل به ما يتوقعه مني ( إن خيرا فخير وان شرا فشر ) إي إن ظن خيرا افعل به خيرا وإن ظن شرا افعل به شرا حسن الظن بالله اصل لكل خير، واذا رزق الله تعالى عبده ظنا حسنا به، فقد فتح له ابواب الخيرات وشرع له باب السعادة الاعظم.

قال ابن القيم رحمه الله وكلما كان العبد حسن الظن بالله حسن الرجاء له صادق التوكل عليه: فان الله لايخيب امله فيه ألبتة فانه سبحانه لايخيب امل آمل ولايضيع عمل عامل وحديثنا اليوم كيف يربي الانسانفي نفسه حسن الظن بالله عز وجل اعظم اسباب حسن الظن بالله الايمان قولا وعملا وتحقيق التوحيد: اذا اعظم اسباب سوء الظن بالله الكفر  قال الله تعالى في قصة يعقوب ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).

كل عمل صالح تتقرب به إليه الى الله بقلبك أو لسانك أو جوارحك فانه يربي فيك حسن الظن با الله فمن أراد ان يحسّن ظنه بربه فليقبل الطاعة والذكر والعمل الصالح وكل شعبة من شعب الإيمان يربوا معها في القلب شعبة من شعب حسن الظن بالله وكل معصية يقع فيها العبد تنقص من حسن ظنه ربه فا الشرك والنفاق والذنوب كلها من أسباب سوء الظن با الله ( وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ).

من أسباب تحصيل القلب لحسن الظن بالله، العلم  بالله تعالى وبأسمائه وصفاته فكلما كان العبد بالله اعرف كان أحسن ظنا قال تعالى في قصة إبراهيم  قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)  فالضلال عن الحق والانحراف عنه من اعظم أسباب سوء الظن بالله ، فأحسن الناس ظنا بالله العالمون به والعارفون بعظمته وجلاله وأسمائه وصفاته ودينه وشرعه، فلا والله لايزداد العبد بالله وبرسوله وبدينه نعرفه وعلما الا زاد بالله ثقه وظنا حسنا ..

وما وقعت الظنون الريئه الا بالجهل بالله والضلال عن العلم به  قال تعالى : ۞ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فما أوقعهم في الشرك الا سوء ظنهم بربهم وقال جل وعلا: وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ (23) 

فجهلهم بعلم الله تعالى أوقعهم في الردى وسوء الظن بالله، وهكذا كل من نقص علمه بقوة الله وعظمته ورحمته وبره وإحسانه ولطفه وحلمه وكرمه ومغفرته وجبروته ونصره و بره وإحسانه نقص حظه من حسن الظن بالله، ووقع الله من الردى والخسران بقدر ذلك، ومن الأسباب تذكر ان حسن الظن بالله من اعظم أسباب اجابه الدعاء وتفريج الكرب وذهاب الغموم والاحزان قَالَ ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّه )

فلما أحسنوا الظن بالله دعوه استجابه لهم في شعب الإيمان : قال عبدالله : والذي لا اله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا قط بعد الإيمان بالله عز وجل أفضل من ان يحسّن ظنه بالله والله الذي لا اله غيره لا يُحسن عبد بالله ظنه الا أعطاه الله اياه وذلك ان الخير بيده ” قال ابن القيم رحمه الله: وحسن الظن بالله لقاح الافتقار والاضطرار اليه فإذا اجتمعا اثمر اجابه الدعاء، ومن أعظم أسباب حسن الظن بالله تذكر معيته وقربه من العبد، فكلما استشعر المؤمن قرب ربه منه ومعيته له طاب ظنه بربه جل وعلا ، فلما أيقن موسى عليه السلام بمعيه ربه له أيقن ان الله هاديه وناصره ..

قال تعالى : فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)

ففي كل هم أو مرض أو حزن أو خوف تمر به فتذكر معيه الله لك وقربه منك فان ذلك يشرق معه حسن الظن بالله في القلب:  إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)

ومن اعظم أسباب تحصيل حسن الظن بالله، ان العمل الصالح الذي يحب الله ان يلقى به عبده، فهر الخاتمة الحسنه، وهو احسن مايلقى العبد به ربه مع توحيده سبحانه وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: انه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبل موته بثلاثة ايّام، يقول (( لا يَموتنَّ أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله – عز وجل-))؛ رواه مسلم.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *