انتشر الاسلام في معظم أجزاء العالم عن طريق التجارة والتي كان لها دور فاعل في بث الثقافة الاسلامية في كل مجتمع لا يدين بهذا الدين الحنيف وخاصة في القارة الأفريقية، وكان لأحد التجار العرب صولة وجولة في هذا المجال، إنه التاجر العُماني أحمد بن ابراهيم العامري، من مواليد عشرينيات القرن التاسع عشر. حيث ذكره – أمين باشا – الذي كان حاكمًا على جنوب السودان في عهد الخديوي توفيق، في مذكراته اليومية التي نشرتها المجلة الأوغندية..
وتشير المصادر التاريخية إلى ان العامري وصل الى مملكة بوغندة ( جمهورية أوغندا – حاليا ) في عام 1844م وتعلم اللغة السائدة في بوغندة، ويُعتبر أول تاجر عربي يصل لهذه المملكة. وكان التجار العرب مرحب بهم من حكام أفريقيا عموماً لأسباب تجارية وعسكرية لأن البنادق التي كان يجلبها العرب للتجارة ذات فائدة في حسم الصراعات القبلية، ويجلب العرب كذلك البضائع المختلفة كالأقمشة القطنية والأسلاك النحاسية والملح والبارود وغيرها من البضائع المختلفة التي كانوا يقايضونها مع سلع الداخل.
وتذكر بعض الكتابات بان العرب اهل تجارة “فقط” الا أن الاسلام قد تثبتت قواعده عن طريق التجار أنفسهم وما تحلو به من أخلاق فاضلة وصدق في التعامل وامانة جعلتهم محل احترام وتصديق المجتمع الأفريقي فرسخوا القيم والمبادئ الاسلامية بطريقة التعامل الذي أوصى به الإسلام مع الأخرين، وما بذلوه من استمالة المجتمعات الافريقية للدخول في الدين الاسلامي. ويعتبر الشيخ أحمد العامري هو التاجر العربي المسلم الذين نقل الاسلام إلى المناطق الداخلية في شرق إفريقيا من خلال شخصيته المؤثرة وأخلاقة الاسلامية السامية.
وهناك قصة تروى في البلاد ( بوغنده ) دونها ( أمين باشا ) فكتب عن سفك دماء الأبرياء وتقديم القرابين البشرية وخاصة العبيد كنوع من الطقوس من أجل استرضاء الآلهة أو الأرواح. وذلك حسب المعتقدات والطقوس في الديانة الوثنية، وهي جزء من الثقافة المتوارثة التي يعتنقها أهالي “بوغنده” وبعض المجتمعات الأفريقية، وفي أحد الأيام صادف الشيخ العامري، هذه الطقوس الوثنية بعد أن أصدر ملك البلاد – سونا – أوامره بالقيام بمذبحة بشرية للتقرب للألهه الا أنه ترجل “العامري” من بين الحاضرين ووقف متحدياً للملك في حالة إندهاش واستغراب الجميع، وخاطب الملك بصوت عالٍ ومباشرة بكل شجاعة وعدم خوف..
وقال: ( إننا جميعا من مخلوقات الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء بما فيها هذه المملكة ولا يحق لمخلوق انهاء حياة انسان لأي سبب كان ) فرد عليه الملك وقال: ( إن الآلهة هي من أمرتني بذلك ) فأشتدت شجاعة الشيخ العامري ثم ردد قوله ( الله الواحد الأحد الذي له الحق في انهاء حياتهم وليس ذلك لمخلوق )، وأخذ الملك يتسأل عن ( الله ) وهو في حيرة من أمره .. ومن هو “الله” الذي لا شريك له الذي ذكره هذا الرجل العربي والذي قال عنه أن خالق السموات والأرض والكون ..
بعدها طلب الملك – سونا – حضور التاجر العربي، صاحب التحدي الصارخ لملك يهابه شعبه، فطلب من العامري أن يعلمه المزيد عن “الإله” الذي لا يُعبد أحد سواه، وشرح العامري مبادئ الدين الاسلامي للملك، وبعد عدد من اللقاءات بدأ قلب الملك بالإنشراح، وكانت نهاية المطاف .. اعتناق الملك للإسلام كما ذكرت بعض المصادر مع عدد كبير من حاشيته، وعلمه آيات من القرآن الكريم. وبذلك انفتح الباب للإسلام لدخول أوغندا وما حولها. ويُعد هذا الحدث الهام نقطة تحول في مملكة بوغنده والبلاد المجاورة لها.
وبعد وفاة الملك – سونا – خلفه أبنه الملك – موتيسا – 1856 – 1884م الذي دخل في الإسلام، وقام بنشر الدين الاسلامي بين مواطني المملكة وابدى حماساً منقطيع النظير، فأصدر أوامره بأقامة الشعائر الاسلامية وبناء المساجد في جميع أرجاء مملكته لتأدية الصلوات وخاصة صلاة الجمعة، واصدر قراراً يقضي بإستخدام اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد، وأمر باستعمال اللغة العربية في التحية بين أتباعه وان عدم استخدامها يُعد جريمة يعاقب عليها. وأدخل التقويم الهجري إلى بلاده، ووصل به الحماس إلى أن بعث برسائل الى الممالك المجاورة للدخول في الاسلام. ونتيجة لكل هذا حضي التجار العرب بمكانة مرموقة في بلاطه. واتخذ منهم مستشارين..
وبعد أن ذاع صيت الشيخ العامري، التقى به عددا من المستشرقين .. لما وصل اليه من السمعة الحسنة التي كان لها الأثر الكبير في نشر الدين الاسلامي في مملكة بوغنده، فالتقى به المستكشف البريطاني “ستانلي” عام 1876م، وقال عنه: ( أنه يمتلك عدداً كبيراً من الماشية والعاج، ووصفه بأنه رجل ثري ويسكن في منزل فخم ) وتقول ابنة الشيخ العامري – صالحة – عن أبيها أنه أصبح صديقاً مقرباً من ملك بوغنده وحقق ثروة طائلة، وكون صداقات مع عدد من الاوربيين من ابرزهم ( ستانلي و بيرتون ) وقالت بأنه كان يلقب بالدولة – أي ممثل الحكومة – .
كانت نهاية الشيخ أحمد العامري في أواخر 1885م على يد أحد أفراد القبائل الذي رماه بالقوس وهو جالس في برزة أمام منزله مساءً مع عدد من العرب المقربين منه. وفي هذا الصدد تقول ابنته أنها كانت صغيرة حين مقتله، وأنها تتذكر ماحدث لوالدها عند وفاته، وقالت أن أبيها كان رجلاً سخيًا ولطيفًا معنا جميعًا”. وهكذا تنتهي قصة رجل شجاع نشر الدين الاسلامي في جزء مهم من القارة الافريقية وخاطر بحياته منذ بدايتها حتى نهايتها من اجل انقاذ حياة الاخرين.. ويعتبر نموذجاً مشرفاً لكل تاجر عربي مسلم حمل تجارته بيد وحمل المبادئ والأخلاق الإسلامية بيده الأخرى، وبفضل شخصيته المؤثرة كان التجار العرب محل ترحيب في مملكة بوغندة. التي لا تزال آثارهم الدعوية باقية بها، والأجزاء الداخلية من إفريقيا الشرقية.
وختاما .. فإن هناك الكثير من التجار العرب والمسلمين الذين نشرو الدين الاسلامي، ولكن تلك الشخصيات لم توثق ولم يدون لها تاريخ واصبحت شخصيات طواها النسيان بالرغم مما قدموه للإنسانية من اسهامات مضيئة شعت بنورها في جوانب مضلمة من هذه المعمورة.. ويذكر احد الكتاب بأن الأوائل من العرب والمسلمين لم يكن شغلهم توثيق كل ما يقومون به من أعمال وانجازات بل كان شغلهم وهمهم الوحيد هو نشر العدل والاسلام وتعاليم الدين. ويقول كاتب آخر: بان العرب لم يهتمو بتدوين كل ما وقفوا عليه وماشاهدوه وكل مانشروه من ثقافة عربية واسلامية واكتشافات، وقال ” أن الهمة التي بذلها العرب.. لجديرة حقا أن تكتب مآثرها وأخبارها بماء الذهب على صفحات اللجين”.
التعليقات