يقبع العرب بصفةٍ عامة في ذيل القائمة على مستوى الإنجاز، ويسكنون حضيض الدنيا؛ لأنهم تخلَّفوا عن ركب الزمن، ومَن يشاهد ويتابع مشاريع التنمية وجداول الإنجاز في البلدان العربية يجدها غالباً ما بين المتعثّرِ والفاسد إلا ما ندرعند أولئك القلة الذين يحملون قيمة الوقت في صدروهم ويضعونه نُصْب أعينهم.
تبني إسرائيل “الكافرة” مستوطنات بكافة خدماتها في أشهُر معدودة، والصين تشيِّد برج فندقي في أسبوعين، وآخر في تسعين ساعة، وبعض البلدان العربية تستغرق سنوات لتفتح طريقاً أو تمد جسراً أو تُنجِز مشروعاً رُصِدت له ميزانيَّةً تكفي للفساد والإنجاز معاً، ومع ذلك ينتهي المشروع تحت بند “التعثُّر”! الوقت يحترم العاملين المخلصين يا سادة، فهل نحترمه كعرب ومسلمين؟! كما أن الذي لا يعرف قيمة الوقت لا يعرف بالضرورة قيمة المال وبالتالي لن يحصدَ إلا ثمراً فاسدا.
يقول الدكتور إبراهيم الفقى رحمه الله:” إن التحرر من خرافة عدم وجود الوقت الكافي هي أولى المحطات التي تنطلق منها إلى حياة منظمة واستغلال أمثل للوقت” وأنا أقول إن عدم الإيمان بهذه المقولة يعني مزيد تخلف عن ركب الإنجاز، وعزوفٌ عن القيام بما يجب القيام به وخذلان لا يمكن الإنسلاخ عنه إلا بإحترام الثانية من الزمن.
لا يمكن لإنسان يريد أن يكسب مالاً أو وظيفةً أو يبني حُلُماً أو مجداً أو تنميةً وهو يفرط في الوقت ويعبث به ويختلق الأعذار أمام عجزة وركوده، فلا أصل لضياع الوقت ولا إعراب له في جملة الحياة بعَظَمة وإنجاز، ولا وجود له عند من ينشد صناعة التاريخ المشرق في مجد الأمه.. إننا أمة أُخرِجت لتكون خير أمةٍ في كل شؤونها، وذلك بالإلتزام لا بالتفريط، وبالقيام بالواجبات على أكمل وجه في حينها دينيةً ودنيويَّه، وقد قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد:” إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن ضياع الوقت يقطع عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها” ووجه الشبه قائمٌ بين الموت وضياع الوقت.
لقد توصَّلت إلى أن مسألة إحترام الوقت يجب أن تكون مسألةَ انضباطٍ أخلاقيّ، ويجب على كل أمرئٍ أن لا يتنازل عن هذه المسألة قيد أنملة، فلا تسمح للمفرطين في حياتهم أن يستقطعوا زمناً من وقتك وعمرك ليضيِّعوه قصداً أو جهلاً، ولا تسمح للفارغين بأن يكونوا رقماً في سجل حياتك حتى لا تصيبك لعنةَ جمودهم وانعدام أثرهم، فمن أعظم الإفساد بحق النفس أن يضيع العمر في غير إنجاز ولا عمل ولا هدف .. العمر ثواني متراكمه، معدودة، تتناقص ولا تزيد، وسوف تُسأل عنه: ( وعمرك فيما أفنيّته).
هناك مَثل صيني يقول:” أوقية من الذهب لن تشتري لك شبراً من الزمن ” إذاً بالاصل كلنا أغنياء بما هو أثمن من الذهب .. بالوقت أعني .. ولأن الإنجاز هو القيمة الحقيقة للوقت فعلى الأجساد أن تنفض عنها غبار العجز وكساد العقل حتى لا نبقى عالةً على الأرض والإنسانية، ولأن الإنسان يستطيع أن يحقق مكاسب عظيمة نتيجة إستغلال العقل في تدبير الوقت وجدولته فليكن هذا بحكمه وإتقان ليحصل الفلاح ويتم النجاح.
“إن أولئك الذين يسيئون استخدام وقتهم هم أول من يشكون من ضيق الوقت” قال هذا الأديب والكاتب الفرنسي جان دو لا برويار، إذاً فمسألة استغلال الوقت مسألة شخصية ومجتمعية وأممية .. وما تلك الأعذار التي نختلقها إلا دعوات مبطَّنه مفادها العجز والركون والإنهزام، وهذا كله غير مبرر، كما أن عجلة الحياة لا تقف عند الكُسالى والمستهلكين المستهترين.. بل تذهب لتوزاي في سرعتها مَن يعى قيمة الوقت ويجعله أولويةً عظمى وأهميَّةً قصوى، والسلام.
التعليقات