يقال أن أحد الرجال الفصحاء البلغاء كان كلماء سُئل عن شيء أو أُستفتي أجاب دون تردد وفي أية مسألة من المسائل، ولما رأى أصحابه ذلك منه أرادو إمتحانه بسؤال منتقى بعناية، فجمعوا أحرفاً أبجدية وخلطوها حتى تكون في كلمة ( خنفشار ) ثم قالوا له ماهو الخنفشار بارك الله فيك يأستاذنا؟ فقال لهم وعلى الفور الخنفشار نبتٌ طيب الرائحة ينبت في أطراف اليمن كلماء أكلت منه الإبل عقد لبنها أي راب لبنها، وأنشأ بيتاً شعرياً قال فيه:
لقد عقدت محبتكم فؤادي *** كما عقد الحليب الخنفشارُ
وأخذ يستشهد بفلان وفلان حتى قال قال رسول الله فأوقفوه وقالوا له قف ولا تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم! .. ولكننا وفي هذا الزمن المضطرب ومن خلال هذا الفضاء الواسع المشحون بكل غثٍ وسمين وعبر وسائل التواصل الاجتماعية المتعددة نرى الكثير من أساتذة الخنفشار الذين يفتون بغير علم، ويتصدرون لكل سؤال فيجيبون عنه..
فمنهم من يفتي في الدين وليس من طلبة العلم الشرعي، ويستدرك على الأئمة الأربعة والبخاري ومسلم وابن تيمية وابن باز، ومنهم من ينبري للتحليل السياسي وكأنه وزير خارجية أو رئيس الأمم المتحدة، وحين يكون الحديـث في الطب مثلاً، نجده أبرع في كلامه من أشهر الأطباء في العالم، وكذا في التاريخ والجغرافيا والجيولوجيا وغيرها، وجلّ أقواله كذب ومزاعم وافتراءات، وكلها تخضع لأهوائه ورغباته لا غير.
وعلى سبيل المثال، فالذي ظهر علينا ليقول للناس.. أوقفوا الآذان ففيه إزعاج وتخويـف للأطفال وقللوا المساجد، فالرسول هدم مسجد الضرار لأنه سيستقطب المصلين عنه… يعتبر من أهل الخنفشار الذين يقولون على الله بغيرعلم ويوقّعون عن رسول الله. ومن أراد أن يعرف أهل الخنفشار حقاً حتى يتجنبهم ويتجنب مايدعون إليه، من سوء، فإنه سيجدهم وهم القوم الذين لايقول أحدهم لا أدري أو يقول الله أعلم .. مهما كان السؤوال. وسيجدهم هم الذين يظهرون في الفتن والأزمات ليصطادوا فيها وليثيروا المتشابهات والإختلافات.
سيجدهم هم الذين يرفعون أصواتهم لإسماع الناس مايقولون، مخالفين بذلك أهل الفتوى وأهل الإختصاص، ولاتظهر عليهم سـمات أهل العلم والصدق والأناة. وسيجدهم ممن يهوى أهل البدع ويصاحبهم ويتّبع كل مخالفٍ،… وليخالف بذلك أهل العلم والفتوى ممن رأى ولاة الأمر أنهم هم المفتون للبلاد والعباد.. وذلك لأنه من أهل الخنفشار الذين ظهروا علينا في هذا الزمن الذي كثر فيه الخنفشار!!

التعليقات