الثلاثاء ١٣ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٦ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

تجربة إدارية – بقلم الكاتب م. ناصر آل عثمان العمري

تجربة إدارية – بقلم الكاتب م. ناصر آل عثمان العمري

 

أعجبتني مقولة للرئيس التنفيذي لشركة نيكست جمب “تشارلي كيم” والتي يقول فيها : « إن القادة العظماء لا يُضحُّون بالناس من أجل الأرقام بل يضحون بالأرقام من أجل الناس » هو يقصد كل الأرقام التي تتعثر أمامها الإنتاجية وتقف إلى جانبها البيروقراطية، ويتكلَّفها أُناساً ليس لديهم كاريزما أو أخلاق إدارية .. هنا تتخلف المنشأة ويتعثر الإنتاج وتتصادم العقول وتنعدم روح التغيير والإبداع.

عملت ذات مره مشرفاً على أحد المشاريع الفنية مع أحد الزملاء لإدارة ما يقارب الخمسين فني.. خمسين فني تتفاوت أعمارهم وعقولهم وإهتماماتهم وحتى لهجاتهم ومناطقهم، إذ كان ليس بالإمكان أن أرى بعضهم لفترة المشروع كاملاً – أي ما يقارب الثلاث سنوات – لأن منطقة إدارة العمل كانت حينها في الرياض وكان لابد من تغطية أغلب مناطق المملكة بفنيين من سكان تلك المناطق ..

وكان يتعذر الإلتقاء ببعضهم أو أغلبهم طيلة فترة المشروع لظروف العمل، وكانت كل الصلاحيات الإدارية شبه متاحة لي كمشرف هندسي على هذا المشروع، لكنني أيقنت بعد ثلاث سنوات من هذه التجربة بقناعات إدارية لا أظنني سبقت بها أحداً ولكنني على يقين بأنني طبقت شيئاً متفرَّداً ليس بيروقراطياً تقليدياً، إذ أتذكر أنني ما لجأت إلى “العقاب” بقدر ما كنت أعتمد “العِتاب” ..

وكنت قد نسفت الفارق الوظيفي فيما بيينا حتى أصبحنا كمحاربين في خندق واحد وكفريق متكامل وكنت لا أهتم للإجراءات بقدر إهتمامي بالنتائج إذ كنت أترك المجال ليضع أحدهم بصمته، وكنت أناقش ما هو أبعد من العمل من أمور شخصية وحياتيه مع زملائي أولئك حتى ساد الشعور بالمسؤوليه لدى الجميع، متمثلاً قول بيلفر شتاين حين قال : « يظن كثير من رجال الادارة أن العلاقات الإنسانية فصل في كتاب تنظيم العمل، وهم مخطئون في هذا، فالعلاقات الإنسانية هي كل الكتاب » ..

لقد كان من شأن هذا التصرف أن يُبْقِي عجلة الإنتاج مستمره في دورانها وبنفس العقول التي ارتضيناها أن تعمل معنا منذ بداية المشروع إلى نهايته دون أن أخسر فرداً واحداً منهم، ورأيت النتائج مرضيه لي وللعاملين معنا في نهاية المشروع حينها.

الإدارة فن وليست سلطة قانون مجردة من الإبداع الذاتي كما يعتقدها البعض، ومع الأسف قد يوفر القانون غطاءًا للقيادي الفاشل فيحمي سلطته ويتعذر بالقانون وقد قال بيلفر شتاين في هذا الشأن أيضاً : « الادارة تعمل من خلال النظام، أما القيادة فتعمل فوق النظام » هذا إذا ما أراد القيادي أن يبدع ويجدد ويُغيِّر فإنه يعمل فوق النظام أو يخرج عنه إن صح تعبيري أحياناً، كما أن الإداري يحتاج إلى مهارات إدارية تتمثل في أخلاقياته قبل آداءه في عمله.

أما القائد الفذ فيصنع روح التكامل في فريقه بأفعاله هو أولاً ليبدأ فريقه بتتع خطواته ثانياً، وهنا يقول ديل كارنيجي : «الادارة هي لعبة فكرية، وكلما فكرت بطريقة أفضل كلما حققت نتائج أعظم، لذا فكر جيداً و انتق من يفكر، و اعمل مع من يفكر» وليس يفكر إلا المبدع إنطلاقاً من ذاته وليس مما يستمده من صلاحيات القانون فحسب، ولهذا أجد مع الأسف أن لدينا الكثير من المُدَراء ولكن لدينا القليل من القادة!.

لقد وجدت أن العامل بصفةٍ عامة دون تحديد جنسيتة أو عِرقه إذا أوتي حقه الأخلاقي من التعامل قبل حقة المادي من صاحب العمل فإنه سوف يصرف الربع من جهده العقلي والبدني للإنتاج العملي بإخلاصٍ ذاتيّ وتفاني بعيداً عن المقابل المادي، ويأتي الربع الآخر من صاحب المنشأه بصرف جهد ابتدائي على تدريبه وتهيئته للعمل، ثم يأتي ربع آخر يتكفل به صاحب العمل على بند التحفيز والجوائز ..

ولا يعني هذا أن تكون الحوافز ماديه في كل الأحوال بل أحياناً تكون معنوية تشجيعية وتكون ذات وقع تحفيزي أكثر تأثيراً على العامل مما لو كانت مادية .. ويبقى تمام الربع الأخير من حلقة التكامل والتضامن هذه عند تقييم الشراكة بهذه المعايير التي لابد أن تنجح إذا ما تمت بتظافر الجهود من كلا الطرفين، ولا يبدع في تجسيد هذا الأمر إلا الإداري “الفنان” وليس الإداري “القانوني” فحسب؛ لأن الأخير سوف يكون بيروقراطي تقليدي لا روح في فريقه ولا إبداع.

ختاماً والأمر لا ينتهي عند هذه الحروف.. يجدر بي أن أذكر هنا مثالاً واقعياً يعيش بيننا الآن ويجسد معاني الإدارة الناجحة بكافة صورها وهو الوزير الفذ الدكتور توفيق الربيعة وزير التجارة سابقاً والصحة حالياً إذ رَسَم ويَرسم للقادة معنى التكامل لروح الفريق والتواصل وبناء الثقة بين كوادر العمل حتى يصل للجميع معنى التأثير الإيجابي الذي يصنعه القائد الإداري المبدع مهنياً وأخلاقياً. والسلام.

 

مقالك37

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *