الإنسان هو من يصنع الحياة ، كما أن الحياة لا تتركنا في سبات دائم، تراها تستعجلنا وتجعلنا في حاجة إلى أن نعيد ضبط إيقاعها، وتُفحص أوتارها، وبَناء سمفونيتها من جديد . هذا ما يجب علينا فعله، فالإنسان في المرحلة القادمة في أمس الحاجة إلى أن يتدرب جيداً على عزف سَمفُونِيَّة (القناعةُ ). الجميع يحاول فعل ذلك .
الإمام من على المنبر يُحدث الناس عن القناعةُ، والجميع في المجالس ومواقع التواصل يتحدث أيضاً عن القناعةُ، الكل يقول بأنها كنز لا يفنى. غير أنه عندما يُسدل الستار عن مسرح الحياة وواقعها، تجد أن الناس لا تستطيع عزف سَمفُونِيَّة القناعةُ التي يتحدثون عنها . فهناك فرق بين القناعةُ والحرمان .
القناعة رضا يصاحبها سعادة. والحرمان معاناة يصاحبها تعاسة. كما أن هناك أسباب كثيرة تؤثر في سعادة الناس من خلال تغيير نمط حياتهم. ولعل النزعة الإستهلاكية، ومثيرات الإعلانات التجارية هي من أخطر تلك الأسباب وهي التي جعلت مؤشرات السعادة في زمننا هذا بعيدة المنال .
والإنسان مادام أنه يفكر في أشياء كثيرة ويرغب في تملكها، وعندما يتملكها يفكر في الخلاص منها، فقد وضع عربة الإحتياج أمام حصان القناعة. لكل سلوك مسبباته، ولن تزول تلك السلوكيات الا بزوال تلك المسببات، ونحن عندما نُحدث الناس عن القناعة فعلينا أن نساعدهم في الوصول الى ذلك، من خلال إخفاء المثيرات الإعلانية والإستهلاكية التي نضعها في طريقهم .
تحدث الفيلسوف الامريكي ( أوڤر ستريت ) في كتابه العقل الناضج عن ذلك واستعرض مضار الإعلان التجاري وقال: أنه لا يكاد أن تمر علينا ساعة من حياتنا اليقظة حتى يتم تنبيهنا بطريقة أو بأخرى إلى أنه ينبغى لنا أن ندفع المال لشراء هذه السلعة أو تلك وهذا الالحاح المستمر أضر بالبشرية .
ٌ
كما تحدث ( بر تر راسل ) في كتابه إنتصار السعادة عن بعض أسباب التعاسة . نذكر منها :-
١- الحسد …
وهو من أسوأ السلوكيات، فالحاسد يصبح تعيساً بهذا الحسد، فبدلاً من أن يسره ما لديه يؤلمه ما لدى الآخرين .
٢- التنافس ..
فكما أن النجاح عبارة عن أحد مكونات السعادة ، غير أن الثمن يكون فادحاً اذا تمت التضحية بكل مكونات السعادة الآخرى من اجله .
٣- الخوف من رأى الآخرين ..
فقليل من الناس يمكنهم أن يصبحوا سعداء ، عندما لا يوافق على طريقة حياتهم من تربطهم معهم صلات اجتماعية، وبالأخص من يعيشون معهم .
٤- غياب الجهد .
الإنسان الذي يمتلك الأشياء بسهولة يستنتج أن الوصول إلى تحقيق رغباته لا يحقق له السعادة .
تبقى الحقيقة التي تؤكد وجودها كل يوم، تقول أن نظام الرأسمالية هي من أتلف حياة الإنسان النفسية والأخلاقية. وهي الشيطان بذاته، كما وصفها العقاد في كتابه ( فلسفة القرآن ) بقوله لا تخلو فلسفة الماديات من شيطانها (الرأسمالية) الخبيثة العسراء، فكل ما في الدنيا من عمل سوء، أو فكرة سوء، هو من كيد شيطانها الماكر المريد .
ولعله من الواجب علينا عند بناء نمط حياتنا، أن لا نثق في الحلول التي تقدمها لنا الرأسمالية، نحن نشاهد فلاسفتها وحكمائها ومثقفوها والعامة منهم أيضاً ينتقدونها وبشدة. كما أن التجارب أثبتت أنها هي من يصنع المشكلة وهي من يستفيد منها، وتعتبر أزمة الإسكان وأسعار العقار وانتكاسة الأسهم وغيرها خير شاهد على ذلك .
أن مفهوم الحياة الذي بناه الإسلام ورفع قواعده، هو البديل الحقيقي الذي يجب أن تنطلق منه الشعوب المسلمة وغير المسلمة من أجل صناعة الحياة. فالإسلام لا يضع قيوداً على السعادة، وإنما يزيل أسباب التعاسة. لقد خاطب الفيلسوف الالماني مراد هوفمان شعوب العالم من خلال كتابه ( الاسلام هو البديل ) ووضح كيف يكون لنا ذلك .
التعليقات