« اقترب اليوم الوطني وأنا زعلان يا مولاي الملك.. أعرف أن البهجة والفرح والفخر هو سمة العيد الوطني .. لكن، وبكل حب واحترام وشفافية وصدق وأمانة، المشاعر مختلطة في هذا العيد.
أشعر أن ولاة أمرنا قريبون منا، لكنني أشعر – في نفس الوقت وبنفس القدر – أنهم بعيدون عنا.. لهم حضور في الوجدان، لكنهم كالغائبين عن عقولنا، لهم في قلوبنا مكانة توارثناها منذ قديم الزمان، لكن عقولنا تعاندنا وتقنعنا بأن في الأمر شيء قد تغير .. ماهو؟ أو ما هي حقيقته؟ لا أعرف .. وهذا يصيبني بالخوف .. أنا زعلان لأنني خائف، مشاعر الخوف مقلقة، يا مولاي الملك، تقضي على كل شيء جميل، وتُفقد الأشياء بريقها ولونها وطعمها ورائحتها.
أخاف يا مولاي عندما أسمع وأقرأ أن رسوم الخدمات تتزايد، وأن كثير من بدلات موظفي القطاع الحكومي تتناقص، وأن البطالة بين الخريجين والجامعيين ذكور وإناث تتكاثر، وأن مشاريع الحكومة للبنية التحتية شبه المهترئة تتلاشى .. أخاف عندما أسمع أن احتمالات ارتفاع سعر النفط – رفيقنا في التنمية – تتضاءل في الأسواق العالمية، وأن أمامنا مشوار طويل حتى نتمكن من تنويع مصادر الدخل وتعويض الفاقد .. أخاف عندما أقرأ عن حجم القروض البنكية على المواطنين، وأن دخل المواطن بالكاد يكفي نصف الشهر .. أخاف عندما يكون هم المواطن أن يعمل طوال اليوم والأسبوع والشهر لكي يوزع كل دخله على فواتير الماء والكهرباء والغاز والمحروقات والمواصلات وإيجار السكن .. أنا لا أدري، ولا أعرف عن بقية المواطنين، لكن أتحدث عن نفسي، أنا خائف، وبسبب الخوف أنا زعلان يا مولاي الملك.
يزداد خوفي يا مولاي عند أسمع أن مستقبل التوظيف يحوم حول أسواق الاتصالات والخضار؛ وأن العامل الوافد يهيمن على سوق العمل والتجارة فيه؛ وأخاف عندما أتابع الأخبار وأُدرك أنه ليس بالإمكان أي مشاريع حكومية للإسكان، في الشفق القريب أو الأفق البعيد؛ وأخاف عندما أسمع أن كثيرا من الخدمات التي هي من صلب عمل الحكومة مثل التعليم والصحة المجانية ستؤول إلى الخصخصة، ما يعني تضاعف فاتورة الحياة على المواطن. أخاف أكثر، يا مولاي الملك، عندما أسمع أن كثير من المنشآت لم تتقاض مستحقاتها من الحكومة، وأنها اضطرت لتسريح موظفيها وعمالها؛ وأن كثيرا من مشاريع الحكومة للبنية التحتية تم تأجيلها أو إلغاؤها. الخوف بلغ مني كل مبلغ، ليس على أبنائي وأحفادي، كما يحاول البعض المجادلة به فذلك علمه عند الله، بل خائف من نفسي وفي نفسي، ولذا أنا زعلان يا مولاي الملك.
أخاف كثيرا يا مولاي عندما أسمع وأرى حربا مستمرة في اليمن، وقذائف وصواريخ على حدودنا ومدننا الجنوبية من اليمن. أخاف عندما أشاهد صمود أهل مناطق نجران وجازان وعسير الذين يتلقون الصواريخ البالستية والقذائف من أشرار عبر الحدود. أخاف كل ما أتذكر جنودنا البواسل يذودون عن الحدود بكل شجاعة وتضحية، وصقور الجو يحمون سماء المملكة، وحرس الحدود يرقبون بعيون حديدية كل متسلل. ورجال الأمن يحبطون مئات العمليات الإرهابية قبل وقوعها. أتساءل يا مولاي الملك : أما آن لهذه الحرب أن تتوقف، ويعود جنودنا إلى أهلهم وذويهم، وينعم أهل مناطق نجران وجازان وعسير وكل القرى والمحافظات الحدودية بالسلام والأمان ويمارسوا حياتهم الاعتيادية في مدارسهم وجامعاتهم وأسواقهم؟ هل أنا خوّاف؟ نعم يا مولاي الملك، ولهذا أنا زعلان.
أخاف عندما أعرف أن علاقاتنا الخارجية مضطربة، وأن حلفاءنا في تناقص، وأن الشعوب من حولنا تُمارس الكراهية ضدنا، وأن صورتنا في الخارج سيئة. أخاف عندما أراقب الهوة الكبيرة بين ما يكتب ويقال ويسوّق في إعلامنا، وبين ما يكتب ويقال عنا في الخارج. أخاف عندما يتخذ أقرب الحلفاء والأصدقاء لنا، أو من كنّا نظنهم كذلك، كالاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، والولايات المتحدة قرارات ضد السعودية. وأخاف عندما أسمع وأشاهد تحالفات روسيا والصين وتركيا وإيران من حولنا تتغير وتتآلف وتتحالف بسرعة بعيدا عنا، ولم يبق لنا من طريق سوى عبر بوابة إسرائيل التي كانت ولا زالت تحتل فلسطين. ينتابني خوف كثير وكبير عندما أشعر أننا أصبحنا شبه معزولين سياسيا واقتصاديا وثقافيا، العزلة تؤدي إلى الوحشة، والوحشة تفضي إلى الخوف، والخوف أمر جلل يؤدي بي إلى الزعل، يا مولاي الملك.
أنا زعلان لك يا مولاي الملك، لست زعلان منك أو عليك. عملت أنت ما بوسعك، فعهدت إلى ولي عهدك وولي ولي العهد بكثير من القضايا هدفها أمن وراحة المواطن. انشغل ولي عهدك، وفقه الله وأعانه، بملاحقة الإرهابيين وتحقيق الأمن. وانشغل ولي ولي العهد، وفقه الله وأعانه، بملاحقة الأسعار والأسواق العالمية. لكن راحة المواطن أوكلت إلى الوزراء والخبراء، وهنا زاد خوفي يا مولاي الملك. الوزراء احتجبوا وحجبوا عنا كل ما يجب علينا معرفته، وإن تكلم بعضهم أساء وأهان المواطن، هم لا يحسنون الحديث كما يفعلون أمامك وبين يديك. أما الخبراء فكل همهم تعويض الفاقد من دخل الدولة بالخارج من جيب المواطن. أنا زعلان لأن كل الوزراء والخبراء يعرفون تمام المعرفة أن دخل المواطن يتآكل والراتب لا يكفي الحاجة منذ سنوات، وأن تكاليف المعيشة في ازدياد. الخوف سرق مني الراحة، وأدى إلى الزعل يا مولاي الملك.
أخاف يا مولاي الملك لأنه لم يظهر على السطح حتى الآن بوادر إصلاحات ومشاركة سياسية تساعد الحكومة على تحقيق رؤية 2030، بالرغم من أن ابنك وولي ولي عهدك، حفظه الله، والمسئول عن الرؤية، قدم أكبر دليل على أن نموذج الحكومة المركزية وحده غير كافٍ، ولم ينجح في تحقيق التنمية المنشودة في السابق. أخاف أكثر، يا مولاي الملك، عندما ستنفق الدولة أكثر من (270) ألف مليون ريال في خمس سنوات قادمة لتحسين أداء نموذج الحكومة المركزية، ونحن نعلم أن ذلك النموذج غير كافٍ أو ملائم في الوقت الحاضر والمستقبل للقيام بأعباء تنمية الوطن والمواطن. أخاف كذلك، عندما أسمع أن الصوت الديني يعلو على الصوت السياسي، ويختطف الوطن في مماحكات وتيارات هامشية. وخوفي يتعاظم عندما تتضخم فاتورة مشتريات السلاح، وأعلم أن كلفة الطائرة تبني كلية، وكلفة الدبابة تبني مصنعاً، وكلفة القذائف الصاروخية تبني مسارح ونواد للشباب. الخوف مزعج ويضطرني إلى الزعل يا مولاي الملك.
أخاف يا مولاي لأَنِّي أشاهد تقارير ومقالات وأبحاث تذكر أمور سيئة عن وطني، فأهرب منها وأصنفها بالمغرضة والحاقدة كي لا تفسد علي حلمي الجميل، لكن يظل الخوف يعتريني. يتعقد الأمر وأشعر مع الخوف بالتوتر، أيضا، عندما أدخل إلى «تويتر»، ساحة خفيفة ومخيفة فيها خليط من الحق والباطل، والحقيقة والخيال. هل تزور «تويتر» يا مولاي الملك؟ فضلا، جربه ذات يوم، وسيجذبك محتواه وستُدمنه، نعم ستعيش حالة إدمان مع تويتر، يا مولاي الملك، مثل ما سبق لك أن أدمنت الصحف الورقية تماما، لكنك مع تويتر ستخاف، نعم ستخاف، من كثرة الإشاعات وغياب الحقائق، وعندها ستدرك أن الوطن بحاجة إلى إعلام واقعي وليس مثاليا، وبرلمان حقيقي وليس افتراضيا. لا بأس إن خفت ولا عليك أنت يا مولاي، فخوفك سيجعلك تتخذ حينها إجراءات كفيلة بأن تُذهب الخوف عن الوطن، وعندها سيزول الخوف عنك، لكن عندما أخاف أنا فليس أمامي سوى الزعل يا مولاي الملك.
أخيرا، أعرف يا مولاي الملك أنني يجب أن أتفاءل، وأنا كذلك، لكن فيني خوف. وأعرف أنني لا بد أن أفتخر بوطن العز والمجد، وأنا كذلك، لكن فيني خوف. وأعرف أنني يجب أن أثني على كل ما يقوله كاتب مخلص في هذه المناسبة، وأنا كذلك، لكن فيني خوف. أعرف أن الحساد كثر، والحاقدين أكثر، لكن فيني خوف. وأعرف أن وطني زهرة الأوطان، وبلد الأمن والأمان، وأقدس بقعة ومكان، وأجمل عهد في الزمان، وفيه يكرم الإنسان، في عهد سلمان، لكن فيني خوف. الأهم من خوفي ونفسي هو أن تكون أنت، يا مولاي الملك، بصحة وعافية. أنا مجرد طفل كبير وكل الزعل الذي ينتابني هو خوف على الحلم، يقول مستشارك الأمير الشاعر خالد الفيصل :
وش عذرنا لو ما رقينا الصدارة … وداعي الفلاح بعالي الصوت دوّه
حفظ الله الوطن
التعليقات