الإثنين ١٢ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٥ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

الدعوة إلى الله في زمن هياط المجتمع – بقلم اللواء . م . محمد مرعي العمري

الدعوة إلى الله في زمن هياط المجتمع – بقلم اللواء . م . محمد مرعي العمري

 

أكتب خاطرتي لهذا الأسبوع بعدما امتلأت وسائل التواصل بصورٍ ومقاطع لبعض الدعاة وهم يجلسون أمام الموائد المبالغ فيها والتي أُعِدت لإكرامهم ، وهم بلا شَكٍّ أهلٌ للتكريم والإحتفاء بمقدمهم ، غير أن ذلك في نظري لا يحسن أن يقترن بالدعوة ، وقد تزاحمت في ذهني عددٌ من الأسئلة دفعتني للكتابة حول هذا الأمر ومنها :

• لماذا نؤدلج مفهوم الدعوة إلى الله بغير المفهوم الطبيعي الذي يجب أن يكون عليه مفهوم رسالة الداعية في المجتمع ؟؟؟؟
• لماذا نصنع من حضور الدعاة إنتهازيةً لتحقيق أهدافٍ ذاتيةٍ نتعمَّد من خلالها البروز الإعلامي ونتصنَّع الكرم في غير محلِّه ؟؟؟؟
•أليس من أوجب الواجبات على الوعَّاظ والدعاة تبصير الناس بمغبَّة الإسراف وتصوير الموائد وتداولها ؟؟؟.
•أهذا هو الكرم المحمود في الإسلام ؟؟؟

فقد أنتشرت ظاهرةٌ جديدةٌ ودخيلةٌ على أسلوب الدعوة إلى الله والمتمثلة في عدم ممانعة جُلِّ الدعاة على الظهور الإعلامي خلال تنقلاتهم أو تلبيتهم الدعوات التي تُقدم لهم . ولي رأيٌ وتحفُظٌ على مثل هذه الممارسات وأدرك سلفاً أنه قد يختلف معي الكثير ولا سيما البسطاء الذين يروّجون لتلك الصور والمقاطع ، وبالطبع فحرية الرأي والتعقيب عليه حقٌ متاحٌ للجميع لأنها باتت مسألة رأيٍ عامٍ .

ومبعث تحفُّظي على هذا الشطط في أسلوب بعض الدعاة أو مبررات بعض مستضيفهم والتي هي في ظاهرها نشر المواعظ من جهةٍ وإكرام الوافد من جهةٍ أخرى وفي ذلك خلطٌ واضح ، بينما الحقيقة أنها أفرزتَ لنا أخطاءً لطالما عانى منها المجتمع ولا زال وأعني بذلك حب الظهور والهياط ، وأنَّىَ للمجتمع أن يتخلَّص منها إذا كان كلٌّ منَّا يسوِّغ لممارساته من وجهة نظره ؟؟؟ ، ومبررات تحفُّظي أوجزها في الآتي :

• أعتقد بأن من يروم المثوبة لما عند الله فإنه قبل أن يهمُّ بالإنطلاق لإلقاء موعظته الله يحتاط بأن لا يقع في هفواتٍ مهما كانت يسيرةً قد تشوِّه جهده الدعوي ، ولنا في سلف الأمة الصالح وأيضاً في بعض العلماء الربَّانيين في عصرنا الحاضر كإبن عثيمين وإبن جبرين رحمهما الله وغيرهما خيرُ مثالٍ يحتذى لما يجب أن يتحلَّى به الداعية من ورعٍ وزهد وعزوفٍ عن المظاهر والصور والمقاطع أمام الموائد الفائضة عن الحاجة . وإلاَّ فكيف يدعو الداعية لأمورٍ حثَّ عليها الدين الحنيف بينما هو يباركها بحضوره ؟؟؟

• من تابع حلقات ( سواعدالإخاء ) التي كانت تصوَّر في منتجعات تركيا ذات المناظر الخلابة والطبيعة الساحرة يدرك بأن منهج الدعوة والدعاة أخذ منحىً (مخملياً) جديداً وأن الأهم هو الظهور الإعلامي أكثر من غيره ، بينما عُرِفَ عن بعض المشاركين في تلك الحلقات تأجيج مشاعر الشباب وإلهابِها بالحثِّ على الجهاد وتوجيههم لما يخالف توجهات الدولة -حفظها الله- ، وكان لهم دورٌ لا يخفى على أحد في التغرير بأولئك الشباب .

• ألاحظ بأن في النهج الجديد لبعض الدعاة إزدحام أوقاتهم في الصيف بمواعيد زياراتهم وتنقلاتهم بين مدن ومحافظات ومراكز مختلفةٍ في المملكة ولا سيِّما في المنطقة الجنوبية مع ما يصاحب تلك الزيارات من مظاهر إحتفاليةٍ من كثرة السيارات المرافقة للداعية وبالطبع هذا أمرٌ لا علاقة له بالدعوة إلى الله .

• هناك تنافسٌ محمومٌ بين بعض الموسرين المهووسين بحب الظهور فيبادروا قبل غيرهم في تقديم الدعوة للداعية الفلاني الذي يضع هو الآخر جدولاً لتحركاته ، وبعد أن يحظى صاحب الدعوة بموافقته يعدُّ العدَّة لإكرامه فقط ليحقِّق حاجةً في نفسه حتى وصل الحال إلى تصوير الداعية أمام الموائد واستنطاقه كي يتحدث عن كرم مضيِّفه أو عن قبيلته . فهل هذا من الدعوة في شيئ ؟؟؟ .

• لماذا لا يضع الداعية شروطه المسبقة بعدم إقامة الولائم ومنع تصويره أمامها فيقتدي الناس به ويحدُّون من المظاهر المبالغ فيها في إكرام ضيوفهم ، ثمَّ لكي يستبرئ لنفسه إن أراد أن يبرهن بأن ما يتفوه به في محاضراته ومواعظه مطابقٌ لأفعاله ؟؟؟؟

• قد يقول قائلٌ : ” أن الداعية مدعوٌّ ولا ذنب له فيما تمَّ إعداده ” فأقول : أن بإمكانه أن يلقي محاضرته في المسجد ويحتسب الأجر ثم يغادر مأجوراً بإذن الله دون المواكب المرافقة غير أني أعتقد أنَّ لديه علمًٌ مسبقٌ بالدعوة وبرنامج الزيارة فوافق عليها .

أسأل الله صلاح الحال وحسن المآل وأن يهدينا جميعاً سبل الرشاد وأن لا يكلنا إلى أنفسنا الأمَّارة بالسوء طرفة عين والله من وراء القصد وعليه الإتكال .!!

m-malamri@hotmail.com

 
مقالك37

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *