يعتقد الكثير ان اهم شيء على الدوام هو بناء الاوطان والحفاظ عليها و الدفاع عنها و تكريس الولاء لها. نعم هذه كلها هامه جدا بل واساسيه على مر العصور والازمان. ولكن دائما نغفل عن اهم جانب بل هو الاساسي في كل شيء الا وهو بناء الشخصية والعناية بها. و لبناء الشخصية ورسوخها وتأصيل القيم وتطوير الفكر و تعزيز المفاهيم الدينية والأخلاقية و تفعيل الاسس المثلى في الواقع دور هام بل وبالغ الأهمية في الازمات والمحن والكوارث. ولعل اكثر ما اصاب الامه في الخريف العربي هو ما فرطوا فيه الأزمنة السابقة القريبة والبعيدة.
لان التدمير الذي نشهده الان في كل مكان هو نتاج التدمير والمسخ للشخصية داخل الانسان وتدمير القيم والمبادي عوضا عن تنميتها وتهذيبها والعناية بها. والعيش في صوامع هلاميه هشة كان هو الكذبة التي كنا نزخرفها ونتباهى بها ولم ندرك ان تحتها التطرف والقسوة والكراهية والفتنه والغواية والجريمة. لم نكن نعي بل ربما لم نكن نود ان نعي ان المرض مستشري رغم ان الشواهد قائمه منذ امدا بعيد. كالنا كنا شهود على العنف الجزائري في التسعينات وكيف وصل الامر الى فظاعات لم يسبق للتاريخ ان سجل مثلها بين ابناء الوطن والدين والتراث واللغة …. الخ. بعد ذلك ما تجرعه اشقائنا في العراق على مر الثلاثة عقود الماضية ثم كل العنف الذي انتج في معاقل القاعدة واخواتها انتهاء بداعش.
ربما يرى البعض الاسباب مختلفة والدوافع متعددة … ولكن اقول ان الشخصية الراسخة المتزنة المدركة تقضي او تقلل او تقاوم طيف كبير من هذا الوباء السلوكي والنفث النفسي العفن على مستوى المجتمعات بشكل متوازن وبدهي. ولو صنفنا مجتمعنا العربي لوجدنا ان قيم الحياه و التعايش و الإنسانية تتذبذب فينا بين قليل الى ضعيف الى منعدم. والشاهد ان دولا مثل عمان والاردن والسودان كان حضها من هذا التذبذب افضله ودولا مثل تونس ومصر و بعض دول الخليج والعراق وسوريا كان مستوى هذه القيم في ادناه.
لو اخذنا هذا المقياس الى مناطق اخرى حول العالم لوجدنا ان الفارق كبير واحيانا كبير جدا. وعليه فإن الدورة ربما ستتكر مرارا في المستقبل عند ادنى موجه مناسبه للنكوص مثل ما نحن عليه الان, ونظل ندفع الاثمان في دورات متعددة وربما لن تكون النتائج قابله للبقاء. ومن هنا لا بد لنا من التأمل الدقيق والتفكر المتعمق في تشكيل الشخصية القابلة للبقاء والمؤسسة على منهج قيمي سليم لتعمل هي على الثبات والرسوخ ولديها القدر الكافية والعمل التآزري القادر على كبح الانفلات و السقوط.
ربما يجدر بنا التحدث عن اسباب هذا السقوط المريع للشخصية العربية في عجاله. اولا التباين الثقافي القيمي داخل المجتمع الواحد و انعدام التجانس حتى على مستويات ضيقه جدا في البناء الاجتماعي. التباين المادي المهلك احيانا الذي يؤدي تباعا الى عنف ضد الذات او ضد الاخرين. ايضا اختراق هذه المجتمعات من قبل ايادي تدميريه لا تبقي على شيء من الورع او الإنسانية. ولكون عوامل اخرى مهمه ايضا مثل الحرية والتنوع السياسي … الخ. فان العامل الاقتصادي والثقافي بالغ الأهمية في بناء الشخصية القادرة على الصمود والتعامل مع انحراف البوصلة لاتجاهات غير مناسبه.
التعليقات