الإثنين ١٢ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٥ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

هل ارتقينا بتواصلنا مع بعضنا عبر وسائل التواصل الحديثة ؟ – بقلم لواء . محمد مرعي العمري

هل ارتقينا بتواصلنا مع بعضنا عبر وسائل التواصل الحديثة ؟ – بقلم لواء . محمد مرعي العمري

 

لئن كانت وسائلُ التواصل بمفهومها المادي الذي يُقصَدُ به ما بلغتهُ من تطوُّرٍ سريعٍ في سهولة وسرعة تناقل كل جديد وبثِّ الخبر الفوري من مكان الحدث لحظة وقوعه ، وكذلك تمرير وتبادل المعلومات الخبرات ، فأنها بشقِّها المعنوي تعني ما يفترض أنه بات متاحاً لنا من سُبُلِ الراحة لينعمَ بها المجتمع فيوظِّفُ تلك الوسائلَ لتواصل مثاليٍّ بين أفراده لمعرفة أحوالهم والإطمئنان عليهم والمشاركة المتبادلة في مناسباتهم .

لكني أكاد أجزم بأن علاقات الناس ببعضهم قبل ظهور ثورة الإتصالات الحديثة التي اجتاحت المعمورة وساكنيها في أقل من عقدين من الزمن كانت أحسن حالاً ، فقد كانت علاقاتٌ يسودُها الإحترام والتآلفُ والحميميةُ التلقائية غير المتكلفة التي كانت تفرضهاظروف الحياة التي تحتِّمُ التكافل والإيثار وتبادل المنافع    رغم بساطتها .

و ما دعاني لتسليط الضوء حول هذا الموضوع هو الجانب المتعلق بإستغلال البعض وسائل التواصل المتاحة لهم حالياً إستغلالاً غير منضبط .

ولو عُدنا بالذاكرة إلى عقودٍ خَلَتْ قبل بزوغ فجر التواصل التقني الحديث لنعرفَ ونقارنَ ما إذا كانت وسائل التواصل الحديثة نعمةً أم نقمةً فحتماً سنتحسَّر على الماضي الجميل رغم تواضع وسائل الرفاهية فيه .!!

وكمقارنةٍ بين الماضي وما نعيشه حالياً فمن طرق التواصل بين الأسرة وغائبهم سواءً أكان ذلك الغائب هو الرجل المتزوج حديثاً أو الأب الذي يعول أسرةً فيتغَّرب أحدُهما بحثاً عن الكسب المعيشي ليعود بعد سنواتٍ لإسعاد أسرته ، أو الطالب الذي أنهى دراسته في بلدته أو قريته جوار أبويه ثم أضطر للهجرة للمدن الكبرى ليلتحق بإحدى الجامعات أو الكليات لتحديد مستقبله الوظيفي والمعيشي . فأتذكَّر أنه عندما كان أحدُهم قد تحوَّلَ إلى منطقةٍ خلاف مقر أسرته وعَلِمَ بأنَّ هناك من يزمع السفرَ فإنه يبادر بتجهيز رسالةٍ لأسرته وهي ما كانوا يطلقون عليها( الخط أو المكتوب ) ليطمئنهم عن حاله وعمله أو دراسته  وبعث ماقد يتيسَّر له بعثه لهم من مالٍ أو مؤونةٍ مع ذلك المسافر، وبالمقابل يطلب منهم أن يكتبوا له ليخبروه عن أوضاعهم ، وقد يستغرق ذلك أياماً حتى تصل تلك الإرسالية لوجهتها، ثم ينتظر أياماً أخرى وربما شهوراً كي يتلقَّفَ الردَّ سواءً مع ذلك المرسول السابق أو مع غيره ،  وقد عايشنا ذلك نحن المخضرمون بين ذلك الزمن الجميل وبين ما ننعمُ به في الوقت الحاضر والذين يُطلق علينا من باب الحنين للماضي الممزوج بالتندُّر ما يعرف ( بجيل الطيِّبين ) .

غير أنَّ ما نلمسه في حاضرنا القائم بتعقيداته هو التبدُّلٌ الملموسٌ في تلك العلاقات الإجتماعية حتى بين الأخوة أنفسهم ، فقد انحسر وهج التواصل بين الناس كثيراً بالرغم من توفر وسائله المتعددة والسريعة والتي قد لا يستغرق إستخدام بعضها لإيصال الفكرة أو نقل الخبر سوى لبضعِ دقائقَ أو حتى ربَّما أجزاء من الدقيقة الواحدة .

ولو أن ذلك أقتصر على ندرة التواصل أو حتى على القطيعة إلى أن يهيئ الله أسباب اللقاء لهان الأمر ، غير أنَّ مما يعتصرُ القلبَ ألماً وحسرةً ومما بات أكثرُ إيلاماً هو أن توظَّفَ تلك وسائل الحديثة في تبادل الإساءآت وخلق الشحناء والتباعد والتنافر ، أو باستغلالها في المكائد والإضرار بالغير دون تحكيمٍ أو إعمال للرقيب الذاتي في دواخلنا . ونتجاهل ولسنا جهلاء بأنَّ كلَّ نَّفسٍ بما كسبت رهينةٌ وأن اليوم عملٌ ولا حساب وغداً حسابٌ ولا عمل .

إذاً…فنحن أمام تحدياتٍ غايةً في الصعوبة والتعقيد للحفاظ على ما بَقِيَ من وشائج المحبة والتواصل لاسترجاع ولو النزر اليسير من تلك الحميمية المفقودة ، ولن يتأتى ذلك إلاَّ بنشر الوعي بكيفية الإستخدام الأمثل لوسائل وسُبُلِ التواصل وإنكار المنكر ومنع الترويج للأنباء المغلوطة والمدسوسة ، وموالاة التحذير من مغبَّة توجيه تلك الرسائل لبثِّ الأراجيف ونشر الشائعات أو للترويج عمداً لبعض المغالطات الدينية والفقهية التي لا تستندُ إلى العلم الشرعي الصحيح وإلى أقوال وأراء الثقاة في المسائل الخلافية ، ويعزو البعض رسائله إلى أنه ليس سوى ناقل لما بعَثَه أو شَارك به متناسياً بأن عليه وزر ما أرسله ووزر من سيقوم بإعادة إرساله من بعده ،
والله من وراء القصد وبلوغ المراد .

m-malamri@hotmail.com

 

مقالك37

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *