الإثنين ١٢ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٥ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

نشوةُ الشهرة .. والمتعالمون – بقلم الكاتب أ. رافع بن علي الشهري

نشوةُ الشهرة .. والمتعالمون – بقلم الكاتب أ. رافع بن علي الشهري
 
 
كان الصحابةُ الكرام يتدافعون الفتوى بينهم وكلٌ منهم يحيلُ من يسأله على صحابي أخر، وهم أعلم بفتاوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف لا..وهم تلاميذه النجباء. ولم يكن هذا من باب كتمان العلم، لكنه من باب الإحالة على من هو أعلم .. خوفاً من الوعيد الشديد لمن أفتى وقال في الدين بما لايعلمه.
 
وقد سؤل أبوبكر الصديق رضي الله عنه عن مسألة في كتاب الله، فقال قولته المشهورة أي أرض ٍ تقلني وأي سماء تظلني فأقول في كتاب الله بما لاأعلم. ولقد قيّض الله لهذه الأمة وفي كل الأزمنة علماء نجباء مصلحين مسددين يفتون بما قال الله ورسوله فيماعلموه ويجتهدون فيمالم يعلموا من قبل، وفق قواعد وأصول الإجتهادالشرعي الصحيح.
 
غير أن كل العصور الإسلامية ومن بعد الخلافة الراشدة وحتى اليوم لم تنفك عن ظهور الكثير من العلماء الذين عملوا بجدٍ وإخلاص وخدموا دينهم وأمتهم،وكانوا وقّافين حقاً، وقد يجتهد أحدهم فيخطئ لكنه سرعان مايعود عن خطئه كما قال الشافعي إني لأرجوا أن يجري الله الحق على لسان غيري فأخذُ برأيه، وقال إنّ قولي صوابٌ يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب، وقال رحمه الله ماصح من الحديث فهومذهبي ! 
 
ومع هذا كله فقد إنحرف البعض ممن لم يوفّق في تبيين الحق وأصرَّ على خطئه وأخذته العزة بالإثم فحمّل نفسه إثمَ انكاره للحق وإثم من اتبعه من الغاوين وجريمة بدعته إن كان خطئه قد أفرز بدعة، وحمّل نفسه،إثم َ من سار على تلك البدعة إلى قيام الساعة! ومافتئ هؤلاء يظهرون من حين إلى أخر في كل عصرٍ عبر تاريخ أمّة الإسلام.
 
بيد أن سوء الإعلام العربي في عصرنا هذا وتطلّعه لتغريب المجتمعات الإسلامية قد زاد الأمر سوءاً، ففتحَ الأبواب على مصاريعها لكل من خالف أهل العلم السلفي المعتدل، وهيأ لهم دروب الشهرة حتى إذا عشقوها وهاموا بها وأصبحت لهم كالهواء الذي يستنشقونه أوقعوهم في مسائل كبرى،ليفتوافيها فلايتورعون، وقد يحتار فيهاأهل بدر و بيعة الرضوان.
 
ولاجدل أن للمنتكسين الذين كانوا شيوخاً يوماًما ثم تحولواإلى إعلاميين بارزين متنفذين، أدواراًهامة في إحتواءأولئك المتعالمين وإبرازهم للجماهير، ولهم أدوار سيئة في إنتقاء كل مافيه خلاف وجدل وجعل هذاالخلاف الذي ربما حسمه الراسخون في العلم .. حديث الساعة، لصرف العامة وأنصاف وأرباع المتعلمين عن قضايا الأمة الكبرى التي تُحاك لها ولإقحام أهل العلم المعتبَرين في قضايا الردود على أولئك المخالفين، فكلما طفئ الجدل أذكوه حتى يصبح خلافاً حاداً.
 
وقدأصبح القصاصون في عصرناهذاهم العلماء البارزون الذين يُستقطَبون في القنوات، رغبةً في تزايد المشاهدات للقناة الناقلة،ورغبة في تمييع الثوابت والأصول سواء بعلم هذاالقصاص أو بجهله.
 
حتى تحول القصاصون إلى مفتين في الفقه وأصوله وفي الحديث وعلومه وفي التفسير وقواعده، علماً أن الكثير منهم لم يتلق علوماً شرعية من قبل ولم يثن ركبه لدى أهل العلم،إنما سمع أشرطةً من هنا وهناك، وربما حفظ القرآن الكريم وتخصص في اللغة العربية، لكنه لم يتلق عن المفسرين للقرآن أو الفقهاء والمحدثين  شيئاً، مع علو ورفعة حِفظ كتاب الله عزوجل، لكنه ليس كافٍٍ بلا معلمٍ ومفسّر وفقيه،لمن اراد أن يفتي في أمور الدين، عِلماً أن القصص العلمي المنضبط بالشرع ، يعدُّ مطلباً لايصبح صاحبه عالماً وفقيهاً، مالم يكن متخصصاً في الفقه وأصوله، وهذا من النادر جداً ! 
 
ومما كثر الجدل فيه عبر القنوات والصحف مايثار من حين إلى أخر، من قِبَل بعض المتعالمين، وقد حسم َ العلماءُ أمرها بترجيح حرمتها، وعلى سبيل المثال  لا الحصر، مسألة الغناء والموسيقى والتي أثارها قبل فترة من الزمن قارئ ذو صوتٍ حسن وجميل،لكن ليس له في العلم الشرعي والفقهي باع يُذكر، فأخذ العامة بقوله، ثقةً منهم في صدق قوله لحسن أدائه وجمال صوته ..
 
وأخيراً أثارها معلمٌ للغة العربية لم يُعرف عنه علمٌ شرعي ( فقهي )، ونحسبه من أهل الصلاح إلا أنه تكلم في غير فنِّه النحو والصرف وعلومهما، وتكلم في الفقه وأصوله وأصر على رأيه وامتنع عن الخوض فيه، وعن سماع أقوال أهل العلم وذلك لإفلاسه علمياً في تغليب كفّة فتواه، بجواز الموسيقى التي هي المعازف المحرمة بنص قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( ليكونن من أمتي أقوام ، يستحلون الحر والحرير ، والخمر والمعازف – رواه البخاري.
 
ولاريب أنّ كل هذا التعالُم في زمنٍ صَمَت فيه صوتُ العالِم، لينذرَ بالخطر في هذا العالَم المضطرب الذي هو في أمس الحاجة فيه إلى تبيين الحق والرد فيه على المتعالمين،الذين تخرّجوا من قمقم الشهرة ونشوتهاوعالَم القنوات وبهرجتها.
 
 
مقالك37
 

التعليقات

تعليق واحد على "نشوةُ الشهرة .. والمتعالمون – بقلم الكاتب أ. رافع بن علي الشهري"

  1. كلامك صحيح ، ولكن المشكلة خلط الأوراق وسياسة العبث بثوابت الدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *